للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأجيب عنه أيضًا بأنه عليه الصلاة والسلام أنصت له حتى فرغ من صلاته، ويدل عليه ما رواه الدارقطني في "سننه" عن أنس قال: "دخل رجل المسجد ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخطب فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "قم فاركع ركعتين، وأمسك عن الخطبة حتى فرغ من صلاته" فعلى هذا، فقد جمع سليك سماع الخطبة وصلاة التحية. فإن قيل إن الدارقطني قال أسنده عبيد بن محمد والصواب أنه مرسل وقد أخرجه أحمد من رواية سليمان التيمي مرسلًا، فالجواب أن المرسل حجة عند المانعين ويؤيد هذا ما أخرجه ابن أبي شيبة عن محمد بن قيس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما أمره أن يصلي أمسك عن الخطبة حتى فرغ من ركعتيه، ثم عاد إلى خطبته.

وأجيب عنه أيضًا بأن ذلك كان قبل شروعه عليه الصلاة والسلام في الخطبة.

وقد بوّب النسائي في "سننه الكبرى" على حديث سليك فقال باب "الصلاة قبل الخطبة" ثم أخرج حديث سليك عن جابر قال: "جاء سليك الغطفاني ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- قاعد على المنبر فقعد سليك قبل أن يصلي" الحديث، ومثله عند مسلم.

وأجيب عن هذا بأن القعود على المنبر لا يختص بالابتداء، بل يحتمل أن يكون بين الخطبتين، فيكون كلمه بذلك وهو قاعد فلما قام ليصلي قام النبي -صلى الله عليه وسلم- للخطبة؛ لأن زمن الخطبة لا يطول، ويحتمل أن يكون الراوي تجوّز في قوله وهو قاعد؛ لأن الروايات الصحيحة كلها مطبقة على أنه دخل والنبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب. ويرد هذا الجواب أن الأصل ابتداء قعوده وقعوده بين الخطبتين محتمل، فلا يحكم به على الأصل على أن أمره -صلى الله عليه وسلم- إياه بأن يصلي ركعتين وسؤاله إياه هل صليت وأمره للناس بالصدقة وامتثال الناس يضيق عنه القعود بين الخطبتين؛ لأن زمن هذا القعود لا يطول كما مرّ عند ذكره. واحتمال تجوز الراوي احتمال عقلي لا دليل عليه وتوهين للرواية الصحيحة بدون سبب.

وأجيب عنه أيضًا بما قاله ابن العربي قال: لما تشاغل النبي -صلى الله عليه وسلم- بمخاطبة سليك سقط فرض الاستماع عنه إذ لم تكن منه حينئذ خطبة؛ لأجل تلك المخاطبة وادعى أنه أقوى الأجوبة قال في "الفتح": وهو من أضعفها؛ لأن المخاطبة لما انقضت رجع النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى خطبته وتشاغل سليك بامتثال ما أمره به من الصلاة، فصح أنه صلى في حالة الخطبة. وما قاله مردود، فإن رجوعه عليه الصلاة والسلام إلى الخطبة حال صلاة سليك لم يأت عليه بدليل. وما مرّ عن الدارقطني وغيره يبطله.

وأجيب عنه أيضًا بأن ذلك كان منه قبل أن ينسخ الكلام في الصلاة ثم لما نسخ في الصلاة نسخ أيضًا في الخطبة؛ لأنها شطر صلاة الجمعة أو شرطها. قال الطحاوي: تواترت الروايات عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن مَنْ قال لصاحبه "انصت والإمام يخطب يوم الجمعة فقد لغا" فإذا كان قول الرجل والإمام يخطب لصاحبه أنصت لغوًا كان قول الإمام للرجل قم فصل لغوًا أيضًا، فثبت بذلك أن

<<  <  ج: ص:  >  >>