للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك أخرجه الطبراني والبيهقي في "الدلائل" بإسناد صحيح إلى عبد الله بن كعب بن مالك "أن رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- لما رجعَ من طلب الأحزاب وجمع عليه اللأمةَ واغتسلَ واستجمرَ تبدّى له جبريلُ فقال: عذيركَ من محارب فوثبَ فزعًا فعزمَ على الناس أنْ لا يصلُّوا العصر حتى يأتوا بني قريظةَ. قال: فلبسَ الناسُ السلاح فلمْ يأتوا قريظةَ حتى غربَتِ الشمسُ. قال: فاختصموا عند غروبِ الشمس، فصلَّتْ طائفةٌ العصرَ، وتركتها طائفةٌ وقالت: إنا في عزمةِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فليسَ علينا إثمٌ، فلم يعنفْ واحدًا من الفريقين".

وأخرجه الطبراني من هذا الوجه موصولًا بذكر كعب بن مالك فيه، وللبيهقي عن القاسم بني محمد عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- مطولًا "وفيه فصلتْ طائفة إيمانًا واحتسابًا. وتركتْ طائفةٌ إيمانًا واحتسابًا، وهذا كله يؤيد رواية البخاري أنها العصر، وفي جميع النسخ عند "مسلم" أنها الظهر مع اتفاق البخاري ومسلم على روايته من شيخ واحد بإسناد واحد.

وقد وافق مسلمًا أبو يعلى وآخرون، وكذا أخرجه ابن سعد عن أبي عتبان مالك بن إسماعيل عن جويرية بلفظ "الظهر" وابن حبان عن أبي عتبان كذلك. قال في "الفتح": ولم أره من رواية جويرية إلا بلفظ "الظهر" غير أن أبا نعيم في "المستخرج" أخرجه عن أبي حفص السلمي عن جويرية فقال: "العصر".

وقد جمع بعض العلماء بين الروايتين باحتمال أن يكون بعضهم قبل الأمر كان صلى الظهر، وبعضهم لم يصلّها فقيل لمن لم يصلّها لا يصلّينّ أحد الظهر، ولمن صلّاها لا يصلّينَّ أحد العصر.

وجمع بعضهم باحتمال أن تكون طائفة منهم راحت بعد طائفة، فقيل للطائفة الأولى الظهر وللطائفة الأخرى العصر، وكلاهما جمع لا بأس به، لكن يبعده اتحاد مخرج الحديث الذي عند الشيخين بإسناد واحد من مبدئه إلى منتهاه كما مرّ فيبعد أن يكون كل من رجال إسناده قد حدث به على الوجهين إذ لو كان كذلك لحمله واحد منهم عن بعض رواته على الوجهين، ولم يوجد ذلك والذي يتأكد أن الاختلاف في اللفظ المذكور من حفظ بعض رواته، فإن سياق البخاري وحده مخالف لسياق كل من رواه عن عبد الله بن محمد بن أسماء وعن عمه جويرية.

ولفظ البخاري هنا قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: لا يُصلِّيَنَّ أحدٌ العصر.

ولفظ مسلم ومن رواه "نادى فينا رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يومَ انصرف عن الأحزابِ أنْ لا يُصلِّينَّ أحد الظهر إلا في بني قريظةَ فتخوفَ ناسٌ فوتَ الوقتِ فصلَّوا دونَ بني قريظةَ.

وقال آخرون: لا نصلِّي إلا حيث أمرنا رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وإن فاتنا الوقت. قال: فما عنّفَ واحدًا من الفريقين"، فالذي يظهر من تقارير اللفظين أن عبد الله بن محمد بن أسماء شيخ الشيخين فيه لما حدث به البخاري حدث به على هذا اللفظ، ولما حدث به الباقين حدثهم به على اللفظ الأخير وهو اللفظ الذي حدث به جويرية بدليل موافقة أبي عتبان له عليه، بخلاف اللفظ الذي حدث به

<<  <  ج: ص:  >  >>