للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأورد الطحاوي ما أخرجه مسلم عن جابر بلفظ "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى يوم النحر بالمدينة، فتقدم رجال فنحروا وظنوا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد نحر فأمرهم أن يعيدوا". قال ورواه حماد بن سلمة عن جابر بلفظ "أن رجلًا ذبحَ قبلَ أن يصلّي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فنهى أن يذبحَ أحدٌ قبلَ الصلاةِ" وصححه ابن حبان، ويشهد لذلك قوله في حديث البراء: "إنّ أوّلَ ما نصنعُ أنْ نبدأ بالصلاةِ ثم نرجعَ فننحرَ" فإنه دال على أن وقت الذبح يدخل بعد فعل الصلاة، ولا يشترط التأخير إلى نحر الإمام، ويؤيده من طريق النظر أن الإمام لو لم ينحر لم يكن ذلك مسقطًا عن الناس مشروعية النحر. ولو أن الإمام نحر قبل أن يصلي لم يجزئه نحره فدل على أنه هو والناس في وقت الأضحية سواء.

وقال المهلب: إنما كره الذبح قبل الإمام لئلا يشتغل الناس بالذبح عن الصلاة.

وقوله: "شاتك شاة لحم" أي: ليست أضحية بل هو لحم ينتفع به كما في رواية زبيد الآتية في الضحايا، فإنما هو لحم يقدمه لأهله. وفي رواية فراس عند "مسلم" قال: "ذلك شيءٌ عجلتهُ لأهلِكَ". وقد استشكلت الإضافة في قوله: "شاة لحم" وذلك أن الإضافة قسمان: معنوية، ولفظية.

فالمعنوية إما مقدرة (بمنْ) كخاتم حديد أو (باللام) كغلام زيد أو (بقي) كضرب اليوم معناه ضرب في اليوم.

وأما اللفظية فهي صفة مضافة إلى معمولها كضارب زيد وحسن الوجه ولا يصح شيء من هذه الأقسام الخمسة في شاة لحم. قال الفاكهاني: والذي يظهر لي أن أبا بردة لما اعتقد أن شاته شاة أضحية أوقع -صلى الله عليه وسلم- الجواب قوله: "شاة لحم" موقع قوله: "شاة غير أضحية".

وقوله: "فإن عندنا عَنَاقًا"، وفي رواية "عناق لبن" العَناق بفتح العين وتخفيف النون الأنثى من ولد المعز عند أهل اللغة، ولم يصب الداودي في زعمه أن العَناق هي التي استحقت أن تحمل، وأنها تطلق على الذكر والأنثى، وأنه بيّن بقوله لبن أنها أنثى.

قال ابن التين: غلط في نقل اللغة وفي تأويل الحديث فإن معنى "عَناق لبن" أنها صغيرة سن ترضع أمها. وعند الطبراني "أن أبا بردة ذبح ذبيحته بسحر فذكر ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال إنما الأضحية ما ذُبحَ بعد الصلاةِ اذهبْ فضحِ. فقال ما عندي إلا جَذَعة مِنَ المعز" الحديث.

وقوله: "هي أحب إليّ من شاتين" مرّ الكلام عليه في الحديث الذي قبله. وقوله: "ولن تجزىء عن أحد بعدك" وفي حديث سهل بن أبي حثمة "ليست فيها رخصة لأحد بعدك". وقوله: "تَجزي" بفتح أوله غير مهموز أي: تقضي. يقال جزى عن فلان كذا أي: قضى، ومنه {لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} أي: لا تقضي عنها. قال ابن بري: الفقهاء يقولون لا تُجزىء بالضم والهمز في موضع لا تقضي والصواب بالفتح وترك الهمز، لكن يجوز الضم والهمز بمعنى الكفاية يقال أجزأ عنك، وبنو تميم يقولون البدنة تُجزىء عن سبعة بضم أوله وأهل الحجاز تجزي بفتح أوله وبهما

<<  <  ج: ص:  >  >>