للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حقيقة التابعين وطبقاتهم]

فأقول: التابعي، ويقال: التابع -والأول أكثر استعمالًا- هو من لقي الصحابي ولو كان أعمى، ولو كان غير مميز، واحدًا كان الصحابي أو أكثر، سمع منه اللاقي أم لا. وحده الخطيب: بأنه من صحب الصحابي ولا يكفي اللُّقِيُّ. والأول أصح، وممن صرح بتصحيحه ابن الصَّلاح والنَّوويُّ، قال النَّوَوِيُّ: الخلاف فيه كالخلاف الجاري في الصحابي، والاكتفاء هنا بمجرد اللقاء أولى نظرًا إلى مقتضى اللفظين. ورجح القَسْطَلاني في "المواهب اللدنية" الثاني، ونصه في خصائص النبي - صلى الله عليه وسلم -: ومنها أنه تثبت الصحبة لمن اجتمع به - صلى الله عليه وسلم - لحظة بخلاف التابعي مع الصحابي، فلا تثبت إلا بطول الاجتماع معه على الصحيح عند أهل الأصول، والفرق عِظَمُ مَنْصِب النبوة ونورها بمجرد ما يقع بصره على الأعرابي الجِلْفِ ينطق بالحكمةَ.

وهو فرق واضح في غاية الحسن، فينبغي اعتماده.

واختلف العلماء في طبقاتهم فعند مسلم في "طبقاته" أنها ثلاثة، وكذلك عند ابن سعد في "طبقاته"، وربما بلغ بها أربعًا، وكونها أربع طبقات هو الذي صرح به الحافظ ابن حَجَر في "تقريب التهذيب" كما يأتي قريبًا، إن شاء الله تعالى. وقال الحاكم: إنهم خمسَ عشرة طبقة. آخرهم من لقي أنس ابن مالك من أهل البصرة، ومن لقي عبد الله بن أبي أَوْفَى من أهل الكوفة، ومن لقي السائب بن يزيد من أهل المدينة، وأولهم من لقي العشرة المبشرين بالجنة، وسمع منهم، ولم يقع هذا الوصف إلا لقيس بن أبي حازم، كما نص عليه ابن حِبّان، وعبد الرحمن بن يوسف ابن خِراش. وقال أَبو داود وغيره: إنه لم يسمع من عبد الرحمن بن عَوْف، وعد الحاكم سعيد بن المسيِّب مع قيس بن أبي حازِم في هذا الوصف، وهو غلط لأن سعيدًا إنما ولد في خلافة عمر بن الخطاب، فكيف يسمع من أبي بكر، مع أنه لم يسمع من بعض بقيتهم، بل قيل: إنه لم يسمع من أحد منهم إلا سعد بن أبي وقاص. هكذا عزا العراقي في "ألفيته"

<<  <  ج: ص:  >  >>