للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

باب الصلاة بمِنى

أي: في أيام الرمي، ولم يذكر المصنف حكم المسألة، لقوة الخلاف فيها، وخصّ منىً بالذكر؛ لأنها المحل الذي وقع فيه ذلك قديمًا. ومنىً يُذكر ويؤنث بحسب قصد الموضع والبقعة قيل: فإذا ذُكِّر صُرف وكُتب بالألف، وإذا أُنِّث لم يصرف وكتب بالياء. وذكر الكلبي: إنما سميت مني؛ لأنها مُنِيَ بها الكبش الذي فدى به إسماعيل -عليه الصلاة والسلام- من المنية ويقال: إن جبريل -عليه الصلاة والسلام- لما أتى آدم بمنى قال له: تمن. وهو جبل بمكة معروف.

وقال الفارسي: لامه ياء من منيت الشيء إذا قدرته، وقال الفراء: الأغلب عليه التذكير. وقال الحازمي إن مني صقع قرب مكة وهو أيضًا هضبة قرب قرية من ديار غنى بن أعصر. وقد امتنى القوم إذا أتوا مني، واختلف السلف في المقيم بمنى هل يقصر أو يتم؟ بناء على أن القصر بها للسفر، أو للنسك، واختار الثاني مالك، وتعقبه الطحاوي بأنه لو كان كذلك، لكان أهل مني يقصرون، ولا قائل به. وقال بعض المالكية: لو لم يجز لأهل مكة القصر بمنى لقال لهم النبي -صلى الله عليه وسلم- أتموا. وليس بين مكة ومنى مسافة القصر، فدل على إنهم قصروا للنسك. وأجيب بأن الترمذي روى عن عمران بن حصين أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي بمكة ركعتين ويقول: "يا أهلَ مكة أتموا فإنّا قوم سفر"، وكأنه ترك إعلامهم بذلك بمنى؛ استغناء بما تقدم بمكة.

وهذا الحديث ضعيف؛ لأنه من رواية علي بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف، ولو صح فالقصة كانت في "الفتح" وقصة مني في حِجة الوداع. وكان لابد من بيان ذلك، لبعد العهد، ولا يخفى أن أصل البحث مبني على تسليم أن المسافة التي بين مكة ومنى لا يقصر فيها، وهو من محال الخلاف كما سيأتي بعد قريبًا. وقال ابن بطال: اتفق العلماء على أن الحاج القادم مكة يقصر الصلاة بها وبمنى وسائر المشاهد؛ لأنه عندهم في سفر لأن مكة ليست دار إقامة إلاَّ لأهلها أو لمن أراد الإقامة بها، وكان المهاجرون قد فرض عليهم ترك المقام بها، فلذلك لم ينو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بها ولا بمنىً. قال: واختلف العلماء في صلاة المكي بمنى فقال مالك: يتم بمكة ويقصر بمنى. وكذلك أهل مني يتمون بمنى ويقصرون بمكة وعرفات. قال: وهذه المواضع مخصوصة بذلك؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما قصر بعرفة لم يميَز من وراءه ولا قال لأهل مكة: "أتِمّوا"، وهذا موضع بيان. وممن قال إن المكي يقصر بمنى ابن عمر وسالم والقاسم وطاووس. وبه قال الأوزاعي وإسحاق وقالوا: إن القصر سنة الموضع، وإنما يتم بمنى وعرفات مَنْ كان مقيمًا بها. وقال أكثر أهل العلم،

<<  <  ج: ص:  >  >>