للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[باب فضل قيام الليل]

كأنّ المصنف لم يصح عنده حديث صريح في هذا الباب، فاكتفى بحديث ابن عمر المذكور فيه، وقد أخرج مسلم عن أبي هُريرة "أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل" وتوقف فيه البخاريّ، ولم يخرجه للاختلاف في وصله وإرساله وفي رفعه. ووقفه، وهو يدل على أنه أفضل من ركعتي الفجر. وقوّاه النّوويُّ في "الروضة" والمعتمد تقديم الوتر على الرواتب وغيرها كالضحى أو قيل بوجوبه. ثم ركعتي الفجر لحديث عائشة المروي في الصحيحين "لم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم- على شيء من النوافل، أشد تعاهدًا منه على ركعتي الفجر" وحديث مسلم: "ركعتا الفجر خيرٌ من الدنيا وما فيها، وهما أفضل من ركعتين في جوف الليل". وحملوا حديث أبي هريرة السابق على أن النفل المطلق المفعول في الليل أفضل من المطلق المفعول في النهار، وقد مدح الله المتهجدين في آيات كثيرة، كقوله تعالى: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} ويكفي {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} وهي الغاية، فمن عرف فضيلة قيام الليل بسماع الآيات والأخبار والآثار الواردة فيه، واستحكم رجاؤه وشوقه إلى ثوابه، ولذة مناجاته لربه، وخلوته به، هاجه الشوق وباعث التوق، وطرد عنه النوم.

قال بعض الكبراء من القدماء: أوحى الله تعالى إلى بعض الصديقين "أن لي عبادًا يحبونني وأُحبهم، ويشتاقون إليّ وأشتاق إليهم، ويذكرونني وأذكرهم، فإنْ حذوت طريقهم أحببتك" قال: يا ربّ: وما علامتهم؟ قال: "يحنُّون إلى غروب الشمس كما تحن الطير إلى وكرها، فإذا جَنَّهم الليل، نصبوا إليّ أقدامهم، وافترشوا إليَّ وجوههم، وناجوني بكلامي، وتملقوا بإنعامي، فبين صارخ وباكٍ، ومتأَوَّةٍ وشاك، بعيني ما يتحملون من أجلي، وبسمعي ما يشتكون من حبي، أول ما أعطيهم أنْ أقذف من نوري في قلوبهم، فيخبرون عني كما أخبر عنهم".

[الحديث الثاني]

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. وَحَدَّثَنِي مَحْمُودٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا رَأَى رُؤْيَا قَصَّهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَتَمَنَّيْتُ أَنْ أَرَى رُؤْيَا فَأَقُصَّهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَكُنْتُ غُلاَمًا شَابًّا، وَكُنْتُ أَنَامُ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَرَأَيْتُ فِي النَّوْمِ كَأَنَّ مَلَكَيْنِ أَخَذَانِي فَذَهَبَا بِي إِلَى النَّارِ فَإِذَا هِيَ مَطْوِيَّةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>