للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال تعالى: {وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} والمراد بالإنزال فيهما الظهور والخلق.

قال ابن الجوزيّ: مَنْ لم يعرف نزول الجمل كيف يتكلم في الجمل؟ وكون المراد بهما الإنزال حقيقة، لا يلتفت إليه، لضعفه. وقد قال ابن بطّال: إن قوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} فيه بيان لكل ما أشكل من كل فعل ينسب إلى الله تعالى، مما لا يليق به فعله المجيء والنزول، ونحو ذلك؛ لأن الفعل في الآية أسند إلى الله تعالى، والفاعل له حقيقة الملك الذي أمره بقراءته.

وقد عقد شيخ الإِسلام أبو إسماعيل الهَرَوي، وهو من المبالغين في الإثبات حتى طعن فيه بعضهم، بسبب ذلك، في كتابه "الفاروق" بابًا لهذا الحديث، وأورده من طرق كثيرة، ثم ذكره من طرق زعم أنها لا تقبل التأويل، مثل حديث عطاء أُم صُبَيّة عن أبي هُريرة بلفظ: "إذا ذهب ثلث الليل" وذكر الحديث، وزاد: "فلا يزال بها حتى يطلع الفجر فيقول هل من داعٍ يستجاب له" أخرجه النسائيّ وابن خزيمة في صحيحه، وهو من رواية محمد بن إسحاق، وفيه اختلاف، وحديث ابن مسعود وفيه: "فإذا طلع الفجر صعد إلى العرش" أخرجه ابن خُزيمة، وهو من رواية إبراهيم الهجريّ، وفيه مقال. وأخرجه أبو إسماعيل عن ابن مسعود أيضًا، قال: جاء رجل من بني سُليم إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: علمني، فذكر الحديث، وفيه: "فإذا انفجر الفجر صعد" وهو من رواية عَوْن بن عبد الله بن عُتْبة بن مسعود عن عم أبيه، ولم يسمع منه، ومن حديث عُبادة بن الصامت وفي آخره: "ثم يعلو ربنا على كرسيه" وهو من رواية إسحاق بن يحيى عن عبادة، ولم يسمع منه، ومن حديث جابر، وفيه: "ثم يعلو ربنا إلى السماء العليا إلى كرسيه" وهو من رواية محمد بن إسماعيل الجعفريّ عن عبد الله بن سلمة بن أسلم، وفيهما مقال. ومن حديث أبي الخطاب: "أنه سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الوِتر، فذكر الوتر، وفي آخره "حتي وإذا طلع الفجر ارتفع"، وهو من رواية ثُويَر بن أبي فاخِته، وهو ضعيف، فهذه الطرق كلها ضعيفة، وعلى تقدير ثبوتها، لا يقبل قوله: إنها لا تقبل التأويل، فإن محصلها ذكر الصعود بعد النزول، فكما قبل النزول التأويل، لا يمتنع قبول الصعود التأويل، والتسليم أسلم كما مرّ. وقد أجاد هو في قوله في آخر كتابه، فأشار إلى ما ورد من الصفات، وكلها من التقريب لا من التمثيل، وفي مذاهب العرب سعة، يقولون: أمرٌ بّينٌ كالشمس، وجواد كالريح، وحقٌ كالنهار، ولا تريد تحقيق الاشتباه، وإنما تريد تحقيق الإثبات والتقريب على الإفهام، فقد علم من عقل أن الماء أبعد الأشياء شبهًا بالصخر، والله يقول: {فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ} فأراد العِظَم والعلو لا الشبه في الحقيقة، والعرب تشبه الصورة بالشمس والقمر، والقول بالسحر، والمواعيد الكاذبة بالرياح، ولا تعد شيئًا من ذلك كذبًا، ولا توجب حقيقة. وقال بعض العلماء: النزول، لغةً، يستعمل لمعانٍ خمسة مختلفة:

بمعنى الانتقال، {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا}.

<<  <  ج: ص:  >  >>