للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المباح، وفي المستحب، إذا تعارض منه أمران أيهما يبدأ به، ويقتصر عليه، وتدخل الاستخارة في الواجب والمستحب، وفيما كان زمنه موسعًا، ويتناول العموم العظيم من الأمور والحقير، فرب حقير يستخف أمره فيكون في الإقدام عليه ضرر عظيم، أو في تركه.

وقوله: "يعلمنا السورة من القرآن"، وفي الدعوات "كالسورة من القرآن" قيل: وجه التشبيه عمومُ الحاجة في الأُمور كلها إلى الاستخارة كعموم الحاجة إلى القراءة في الصلاة، ويحتمل أن يكون المراد مثل ما وقع في حديث ابن مسعود في التشهد "علمني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- التشهد، كفي بين كفيه" أخرجه المصنف في الاستيذان، وفي رواية "أخذت التشهد كلمة كلمة"، أخرجها الطحاويّ. وفي رواية: "حرفًا حرفًا" أخرجها الطبرانيّ، قال ابن أبي جمرة: التشبيه في تحفظ حروفه، وترتب كلماته، ومنع الزيادة والنقص منه، والدرس له، والمحافظة عليه، ويحتمل أن يكون من جهة الاهتمام به، والتحقق لبركته والاحترام له، ويحتمل أن يكون من جهة كون كل منهما علم بالوحي.

قال الطيبيّ: فيه الإشارة إلى الاعتناء التام البالغ بهذا الدعاء، وهذه الصلاة، لجعلهما تِلْوَيْن للفريضة والقرآن. وقوله: "إذا هَمْ" فيه حذف تقديره "يعلْمنا قائلًا إذا هَمْ"، وهذا في روايةَ الدعوات، وفي رواية قتيبة هنا، يقول: إذا هم أحدكم، وزاد أبو داود عن قُتيبة لنا قال ابن أبي جمرة: ترتيب الوارد على القلب على مراتب: الهمَّة اللَّمَّة ثم الخَطْرَة ثم النِّيَّة ثم الإرادة ثم العزيمة، فالثلاث الأُوَل لا يؤاخذ بها، بخلاف الثلاث الأُخر. فقوله: "إذا هم" يشير إلى أول ما يرد على القلب، يستخير فيظهر له ببركة الدعاء والصلاة ما هو الخير، بخلاف ما إذا تمكن الأمر عنده، وقويت فيه عزيمته وإرادته، فإنه يصير له إليه ميل وحب، فيخشى أن يخفى عنه وجه الأَرْشَدِيَّة لغلبة ميلة إليه. ويحتمل أن يكون المراد بالهم العزيمة؛ لأن الخاطر لا يثبت، فلا يستمر إلا على ما يقصد التصميم على فعله، وإلا لو استخار في كل خاطر لاستخار فيما لا يعبأ به، فتضيع عليه أوقاته.

وفي حديث ابن مسعود: "إذا أراد أحدكم أمرًا فليقل ... "، وقوله: "فليركع ركعتين" يقيد مطلق حديث أبي أيوب حيث قال: "صلِّ ما كتب الله لك"، ويمكن الجمع بأن المراد أنه لا يقتصر على ركعة واحدة للتنصيص على الركعتين، ويكون ذكرهما على سبيل التنبيه بالأدنى على الأعلى، فلو صلّى أكثر من ركعتين أجزأ، والظاهر أنه يشترط إذا أراد أن يسلم من كل ركعتين، ليحصل مسمى ركعتين، ولا يجزىء لو صلّى أربعًا مثلًا بتسليمة. وكلام النوويّ يشعر بالإجزاء.

وقوله: "من غير الفريضة" فيه احتراز عن صلاة الصبح مثلًا، ويحتمل أن يريد بالفريضة عينها، وما يتعلق بها، فيحترز عن الراتبة، كركعتي الفجر مثلاً، وقال النوويّ في "الأذكار": ودعا بدعاء الاستخارة عقب راتبة صلاة الظهر مثلًا، وغيرها من النوافل الراتبة والمطلقة، سواء اقتصر

<<  <  ج: ص:  >  >>