للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منبه في الرابع والخمسين من العلم.

[الحديث الأول]

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ حَدَّثَنَا وَاصِلٌ الأَحْدَبُ عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: أَتَانِي آتٍ مِنْ رَبِّي فَأَخْبَرَنِي أَوْ قَالَ بَشَّرَنِي أَنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ. قُلْتُ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ قَالَ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ.

قوله: أتاني آتٍ، سماه في التوحيد جبريل، وجزم بقوله "فبشرني" وزاد الإسماعيلي في أوله قصة، قال: كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مسيرٍ له، فلما كان في بعض الليل تنحى، فلبث طويلًا ثم أتانا، فقال: فذكر الحديث، وأورده المصنف في اللباس عن أبي ذر قال: أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- وعليه ثوب أبيض، وهو نائم، ثم أتيته وقد استيقظ، فدل على أنها رؤيا منام. وقوله: من أمتي، أي: أمة الإجابة، ويحتمل أن يكون أعم من ذلك، أي: أمة الدعوة، وهو متجه.

قال في "الفتح" قلت: كيف يصح فضلًا عن أن يكون متجهًا؟ فإن أمة الإجابة لا يفيدها التوحيد بدون التصديق بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، ومن صدَّق صار من أمة الإجابة، فتأمله. وقد تبعه في العينى، والقسطلانيّ. وقوله: لا يشرك بالله شيئًا، أورده المصنف في اللباس بلفظ "ما من عبد قال لا إله إلَّا الله ثم مات على ذلك ... " الحديث، وإنما لم يورده المصنف هنا جريًا على عادته في إيثار الخفيّ على الجليّ، وذلك أن نفي الشرك يستلزم إثبات التوحيد، ويشهد له استنباط عبد الله بن مسعود في ثاني حديثي الباب من مفهوم قوله: "من مات يشرك بالله دخل النار".

وقال القرطبيّ: معنى ففي الشرك أن لا يتخذ مع الله شريكًا في الإلهية، لكن هذا القولَ صار بحكم العرفِ عبارةً عن الإيمان الشرعي. وقوله: فقلت وإن زنى وإن سرق؟ قد يتبادر إلى الذهن أن القائل لذلك هو النبي -صلى الله عليه وسلم-، والمقول له الملك الذي بشره به، وليس كذلك، بل القائل هو أبو ذَرٍّ، والمقول له هو النبي -صلى الله عليه وسلم-. لأنه في رواية اللباس. قال أبو ذر: يا رسول الله، وإن زنى وإن سرق، ثلاث مرات، وفي الرابعة قال: على رَغْم أنف أبي ذر" أي: بفتح الراء وسكون المعجمة، ويقال بضمها وكسرها، وهو مصدر رَغَم بفتح الغين، وكسرها مأخوذ من الرِّغم وهو التراب، وكأنه دعا عليه بأن يلصق أنفه بالتراب.

وللترمذيّ قال أبو ذر: يا رسول الله، ويمكن أن يكون النبي -صلى الله عليه وسلم- قاله مستوضحًا، وأبو ذر قاله مستبعدًا، وقد جمع بينهما في الرِّقال عن زيد بن وهب عن أبي ذَرٍّ، قال الزين بن المنير: حديث أبي ذر من أحاديث الرجاء التي أفضى الإِتكال عليها ببعض الجهلة إلى الإقدام على الموبقات، وليس هو على ظاهره، فإن القواعد استقرت على أن حقوق الآدميين لا تسقط بمجرد الموت على الإيمان، ولكن لا يلزم من عدم سقوطها أن لا يتكفل الله بها عمن يريد إدخاله الجنة، ومن ثم رد

<<  <  ج: ص:  >  >>