للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإِسلام، وأما إذا لم يطمع في ذلك فلا، والذي يظهر أن ذلك يختلف باختلاف المقاصد فقد يقع بعيادته مصلحة أخرى. قال: الماورديّ. عيادة الذميّ جائزة، والقُربة موقوفة على نوع حُرْمة تقترن بها من جوارٍ أو قرابة.

قلت: الذمي، اليوم معدوم لا يوجد على وجه الأرض. فما من كافر إلَّا وهو محارب لا غير. ونقل النوويّ الإجماع على عدم وجوب العيادة على الأعيان، واستدل بعموم قوله في حديث أبي موسى في اللباس "عودوا المريض" على مشروعية العيادة في كل مريض، لكن استثنى بعضهم الأرمد، لكون عائده قد يرى ما لا يراه هو. وهذا الأمر خارجى قد يأتي مثله في بقية الأمراض، كالمغمي عليه. وقد عقب المصنف هذا الحديث في كتاب اللباس بحديث المغمي عليه.

وقد جاء في عيادة الأرمد بخصوصها حديث زيد بن أرقم قال: عادني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من وجع كان بعيني. أخرجه أبو داود، وصححه الحاكم، وهو عند البخاريّ في الأدب المفرد، وسياقه أتم، وأما ما أخرجه البيهقيّ والطبرانيّ مرفوعًا "ثلاثة ليس لهم عيادة، العين، والدُّمَّل، والضرس"، فصحح البيهقيّ أنه موقوف على يحيى بن أبي كثير. ويؤخذ من إطلاقه أيضًا عدم التقييد بزمان يمضي من ابتداء مرضه، وهو قول الجمهور. وجزم الغزاليّ في "الإِحياء" بأنه لا يعاد إلا بعد ثلاث. واستند إلى حديثٍ أخرجه ابن ماجه عن أنس: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يعود مريضًا إلا بعد ثلاث". وهذا حديث ضعيف جدًا، تفرد به مَسْلَمَة بن عليّ، وهو متروك، وقد سئل عنه أبو حاتم فقال: حديثٌ باطل، وله شاهد عن أبي هريرة في الأوسط للطبرانيّ، وفيه راوٍ متروك أيضًا.

ويلتحق بعيادة المريض تعهده، وتفقد أحواله، والتلطف به، وربما كان ذلك في العادة سببًا لوجود نشاطه وانتعاش قوّته. وفي إطلاق الحديث أن العيادة لا تتقيد بوقت دون وقت، لكن جرت العادة بها في طرفي النهار. وترجمة البخاريّ في "الأدب المفرد" العيادة في الليل. وساق عن خالد بن الربيع قال: لما ثقل حُذيفة أَتَوْه في جوف الليل أو عند الصبح، فقال: أي ساعة هذه؟ فأخبروه، فقال: أعوذ بالله من صباح إلى النار، الحديث. ونقل الأثرم عن أحمد أنه قيل له، بعد ارتفاع النهار في الصيف: تعود فلانًا؟ قال: ليس هذا وقت عيادة.

ونقل ابن الصلاح عن الغراوي، أن العيادة تستحب في الشتاء ليلًا وفي الصيف نهارًا وهو غريب. ومن آدابها أن لا يطيل الجلوس حتى يضجر المريض، أو يشق على أهله، فإن اقتضت ذلك ضرورة، كما جاء في حديث جابر حين كان مُغْمىً عليه، فلا بأس. وقد نظم شيخنا عبد الله أداب العيادة فقال:

يكمُلُ أجرُ عائدٍ إن أبدى ... شفقة، وللدعاء أسدى

<<  <  ج: ص:  >  >>