للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وضبطه الماورديّ بما يرخص به في ترك الجماعة، وأن لا يخص الأغنياء دون الفقراء، ففي البخاريّ عن أبي هريرة "شر الطعام طعام الوليمة، يدعى لها الأغنياء، ويترك الفقراء، ومن ترك الدعوة فقد عصى الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-" وقوله: يدعى لها الأغنياء أي: أنها تكون شرّ الطعام إذا كانت بهذه الصفة، ولهذا قال ابن مسعود: إذا خص الغني وترك الفقير أمرنا أن لا نجيب. قال ابن بطال: وإذا مَيَّز الداعي بين الأغنياء والفقراء فأطعم كلًا على حدة، لم يكن به بأس، وقد فعله ابن عمر، وقال البيضاوي "من" في قوله: "شر الطعام .. " مقدرة كما يقال شر الناس من أكل وحده، أي: من شرهم، وإنما سماه شرًا لما ذكر عقبه، فكأنه قال: شر الطعام الذي شأنه كذا.

وقال الطَّيِّب: اللام في الوليمة للعهد الخارجي، إذ كان من عادة الجاهلية أن يدعوا الأغنياء ويتركوا الفقراء. وقوله: ومن ترك الخ، حال، والعامل يدعى، أن يدعي الأغنياء، والحال أن الإِجابة واجبة، فيكون دعاؤه سببًا لأكل المدعو شر الطعام، ويشهد له ما رواه ابن بطال أن ابن حبيب روى عن أبي هريرة أنه كان يقول: أنتم العاصون في الدعوة تدعون من لا يأتي، ولا تدعون من يأتي. يعني بالأول الأغنياء وبالثاني الفقراء. وهذا كله في وليمة العرس. وأما الدعوة في غير العرس، فقد أخرج مسلم وأبو داود عن نافع "إذا دعا أحدكم أخاه فليجبْ، عرسًا أو نحوه" ولمسلم عن نافع "من دُعي إلى عرس ونحوه فليجب" وهذا يؤيد ما رواه البخاريّ عن ابن عمر أنه كان يأتي الدعوة في العرس وغير العرس وهو صائم، فإنه فهم أن الأمر بالإِجابة لا يختص بطعام العرس، وقد أخذ بظاهر الحديث بعض الشافعية، فقال بوجوب الإجابة إلى الدعوة مطلقًا عرسًا كان أو غيره، بشرطه المتقدم، ونقله ابن عبد البر عن عبيد الله بن الحسن العنبريّ قاضي البصرة. وزعم ابن حزم أنه قول جمهور الصحابة والتابعين، ويعكر عليه ما في مسند أحمد عن عثمان بن أبي العاص، وهو من مشاهير الصحابة في وليمة الختان، لم يكن يدعى لها، لكن يمكن الانفصال عنه، بأن ذلك لا يمنع القول بالوجوب لو دعوا.

وعند عبد الرزاق بإسناد صحيح عن ابن عمر أنه دعا لطعام، فقال رجل من القوم: اعفني. فقال ابن عمر: إنه لا عافية لك من هذا فقم. وأخرج الشافعي وعبد الرزاق بسندٍ صحيح عن ابن عباس أن ابن صفوان دعاه، فقال: إني مشغول، وإن لم تعفني جئت. وجزم بعدم الوجوب في غير وليمة النكاح المالكيةُ والحنابلة وجمهور الشافعية، وبالغ السرخسيّ منهم، فنقل فيه الإِجماع، ولفظ الشافعيّ: إتيان دعوة الوليمة حق، والوليمة التي تعرف وليمة العرس، وكل دعوة دعي إليها الرجل وليمة، فلا أرخص لأحد في تركها، ولو تركها لم يتبين لي أنه عاصٍ في تركها كما مرَّ. تبين لي في وليمة العرس وما مرَّ عن المالكية هو المشهور، ونقل عَلِيّ الأجهوريّ تفصيلًا، فقال: إن الإتيان لجميع الولائم مكروه إلا لوليمة العرس فيجب، وطعام المولود فيندب. وقال ابن رشيد: يباح الإِتيان لكلها إلا لعرس فواجب، أو دعوة المأدبة فمندوب إذا فعلت لقصد المودة لا للفخر، وإن فعلت له كره إتيانها. ونظم هذا على الأجهوريّ فقال:

<<  <  ج: ص:  >  >>