للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يفيد سقط الوجوب، وبقي أصل الاستحباب بالشرط المذكور، فلو تساوت المفسدتان تخير، وشرط الناصر أن يكون عالمًا يكون الفعل ظلمًا، ويقع النصر مع وقوع الظلم، وهو حينئذٍ حقيقة، وقد يقع قبل وقوعه، كمن أنقذ إنسانًا من يد إنسان طالبه بمال ظلمًا وهدَّده إن لم يبذله، وقد يقع بعد، وهو كثير، وهو داخل في حقيقة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فتراعى فيه شروطه المذكورة عند باب "الدين النصيحة" من كتاب الإِيمان.

وقوله: وإبرار "القسم" الإِبرار، بكسر الهمزة، إفعال من البر، خلاف الحنث، يقال: أبَرّ القسم إذا صدقه، ويروى إبرار المُقسم، بضم الميم وكسر السين، على أنه اسم فاعل، وقيل بفتحها، أي: الإِقسام، والمصدر قد يأتي باسم المفعول نحو: أدخلته مُدْخلًا، وأخرجته مُخْرَجًا بمعنى الإِدخال والإخراج. معنى الإِبرار أن يفعل ما أراده الحالف ليصير بذلك بارًا.

وقوله: "ورد السلام" في رواية الاستئذان "وإفشاء السلام" ولا مغايرة في المعنى لأن ابتداء السلام ورده متلازمان، وإفشاء السلام ابتداء يستلزم إفشاءَه جوابًا، وقد اختلف في معنى السلام فنقل عِياض أن معناه اسم الله، أي كلاءة الله وحفظه عليك، كما يقال: الله معك، ومصاحبك، وقيل معناه: أن الله مُطَّلع عليك فيما تفعل. وقيل: معناه إن اسم الله يذكر على الأعمال توقعًا لاجتماع معاني الخيرات فيها، وانتفاء عوارض الفساد عنها وقيل: معناه السلامة كما قال تعالى: {فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ} وكما قال الشاعر:

تحيى بالسلامة أمُّ عمرو ... وهل لي بعد قومي من سلام

فكأَن المسلم أعلم من سلم عليه أنه سالم منه، وأنه لا خوف عليه منه. وقال ابن دقيق العيد: يطلق بإزاء معان منها السلامة، ومنها التحية، ومنها أنه اسم من أسماء الله تعالى. قال: وقد يأتي بمعنى التحية محضًا، وقد يأتي مترددًا بين المعنيين، كقوله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} فإنه يحتمل التحية والسلامة. وقوله تعالى: {وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ (٥٧) سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} وقد نقل ابن عبد البرّ الإِجماع على أن الابتداء بالسلام سنة، وقال المازريّ: ابتداء السلام سنة، ورده واجب، هذا هو المشهور عند أصحابنا وهو من عبادات الكفاية. وأشار بقوله: "المشهور" إلى الخلاف في وجوب الرد هل هو فرض عين أو كفاية.

وقد نقل عياض عن القاضي عبد الوهاب أنه قال لا خلاف أن ابتداء السلام سنة، أو فرض على الكفاية، فإن سلّم واحدٌ من الجماعة أجزأ عنهم. قال عياض: معنى أنه فرض على الكفاية مع نقل الإِجماع على أنه سنة، أن إقامة السنن وإحياءها فرض على الكفاية، وقد اتفق العلماء على أن الرد واجب على الكفاية، وجاء عن أبي يوسف أنه قال: يجب الرد على كل فَرْدٍ فَرْد واحتج له بحديث

<<  <  ج: ص:  >  >>