للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسجد إلا على سُهيل مع كثرة الموتى، يدل على أن الصلاة عليها في المسجد ليست من فعله الدائم، ويكون اختصاص سهيل بذلك وقع لعذر، كمطر أو اعتكاف أو غير ذلك ولذا أنكر الصحابة عليها، ولم ينظروا إلى الصلاة على سهيل لندورها، واحتج الآخرون بما رواه أبو داود عن صالح مولى التوأمة عن أبي هُريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من صلى على ميت في المسجد فلا شيء له" ورواه ابن ماجه بلفظ "فليس له شيء" وقال الخطيب: المحفوظ فلا شيء له. وروى فلا أجر له.

وقال ابن عبد البر: رواية "فلا أجر له" خطأ، والصحيح "فلا شيء له" قلت: فلا أجر له هي معنى فلا شيء له، فأي خطأ فيها؟ ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه بلفظ "فلا صلاة له"، ورُوي "فلا شيء عليه"، وهذه يروُّها ما مرَّ عن الخطيب وابن عبد البر، وردوا الاستدلال بهذا الحديث بأنه من رواية صالح مولى التُّوَأمة، وهو ضعيف، وتعقب هذا بأن أبا داود روى هذا الحديث وسكت عنه، فيدل على صحته عنده، أو حسنه، وبأن يحيى بن مُعين الذي هو الفيصل في هذا الباب قال: صالح ثقة، إلا أنه اختلط، فمن سمع منه قبل ذلك فهو ثبت حجة، وممن سمع منه قبل الاختلاط ابن أبي ذيب الذي هو راوي هذا الحديث عنه.

وقال الطحاويّ: لما اختلفت الروايات عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في هذا الباب، احتيج إلى الكشف ليعلم المتأخر منها، فيصير ناسخًا لما تقدم، فحديث عائشة إخبار عن فعله، عليه الصلاة والسلام، في حال الإباحة التي يتقدمها شيء. وحديث أبي هُريرة إخبار عن نهيه، عليه الصلاة والسلام، الذي تقدمه الإِباحة. فصار ناسخًا لحديث عائشة، وإنكار الصحابة عليها مما يؤيد ذلك.

وقال ابن بُزَيزة: استدل المالكية بحديث النجاشيّ، وهو باطل؛ لأنه ليس فيه صيغة نهي، ولاحتمال أن يكون خرج بهم إلى المصلى لأمرٍ غير المعنى المذكور، وقد ثبت أنه صلى -صلى الله عليه وسلم- على سهيل بن بيضاء في المسجد، فكيف يترك هذا الصريح لأمر محتمل؟ قلت: قد قدمنا قريبًا أن حديث سهيل محتمل أيضًا لما مرَّ، ثم قال: بل الظاهر أنه إنما خرج بالمسلمين إلى المصلى لقصد تكثير الجمع الذين يصلون عليه، ولإِشاعة كونه مات على الإِسلام، فقد كان بعض الناس لم يدركونه أسلم، فقد روى ابن أبي حاتم في التفسير عن ثابت والدارقطنيّ في الأفراد، والبزَّار عن حُمَيد، كلاهما عن أنس: أن النبي -صلى الله عليه وسلم-، لما صلى على النجاشي، قال بعض أصحابه: صلى على عِلْجٍ من الحبشة، فنزلت {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ} الآية.

وله شاهد في معجم الطبرانيّ الكبير عن وَحْشيّ بن حرب، وآخر عنده في الأوسط عن أبي سعيد، وزاد فيه "أن الذي طعن بذلك كان منافقًا" قلت: الاحتمال الذي أبداه، أرجحُ منه كونه خرج من المسجد، لكونه ليس محلًا للصلاة على الجنازة. واستدل به على مشروعية الصلاة على

<<  <  ج: ص:  >  >>