للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حضرت ذلك أيضًا، وسيأتي بعد خمسة أبواب قول ابن سيرين: قلت: اللهم إلا أن يكون الراوي المسمى لها راويًا عن حفصة، لا عن محمد، فقد مرَّ أن أيوب روى الحديث أيضًا عن حفصة، وأن حفصة حفظت منه ما لم يحفظه محمد. وقوله: اغسلنها، قال ابن بزيزة: استدل به على وجوب غسل الميت، وهو مبنيٌّ على أن قوله فيما بعد "أن رأيتن ذلك" هل يرجع إلى الغسل أو العدد؟ والثاني أرجح، فثبت المدعى.

قال ابن دقيق العيد: لكن قوله ثلاثًا ليس للوجوب على المشهور من مذاهب العلماء، فيتوقف الاستدلال به على تجويز إرادة المعنيين المختلفين بلفظ واحد، لأن قوله "ثلاثًا" غير مستقل بنفسه، فلابد أن يكون داخلًا تحت صيغة الأمر، فيراد بلفظ الأمر الوجوب بالنسبة إلى أصل الغسل، والندب بالنسبة إلى الإيثار، وقواعد الشافعية لا تأبى ذلك.

ومن ثم ذهب الكوفيون وأهل الظاهر والمزنيّ إلى إيجاب الثلاث، وقالوا: إن خرج منه شيء بعد ذلك يغسل موضعه، ولا يعاد غسل الميت، وهو مخالف لظاهر الحديث، وجاء عن الحسن مثله، أخرجه عبد الرزاق عن هشام بن حسان عن ابن سيرين قال: يغسل ثلاثًا، فإن خرج منه شيء بعد فخمسًا، فإن خرج منه شيء غسل سبعًا. قال هشام: وقال الحسن: يغسل ثلاثًا، فإن خرج منه شيء غسل ما خرج، ولم يزد على الثلاث.

وقوله: ثلاثًا أو خمسًا، في رواية هشام بن حَسّان عن حفصة "اغسلنها وترًا ثلاثًا أو خمسًا" وأو هنا للترتيب لا للتخيير، قال النووي: المراد اغسلنها وترًا، وليكن ثلاثًا، فإن احتجن إلى زيادة فخمسًا، وحاصله أن الإِيثار مطلوب، والثلاث مستحبة فإن حصل الإنقاء بها لم يشرع ما فوقها، وإلا زِيد وِترا حتى يحصل الإِنقاء. والواجب من ذلك مرة عامة للبدن. وقد سبق بحث ابن دقيق العيد في ذلك قريبا.

وقال ابن العربي في قوله "أو خمسًا": إشارة إلى أن المشروع هو الإِيتار؛ لأنه نقلهنّ من الثلاث إلى الخمس، وسكت عن الأربع. وقوله: أو أكثر من ذلك، بكسر الكاف، لأنه خطاب للمؤنث، في رواية أيوب عن حفصة في الباب الذي يليه "ثلاثًا" أو خمسًا أو سبعًا، وليس في شيء من الروايات بعد قوله "أو سبعًا" التعبير بأكثر من ذلك إلَّا في رواية لأبي داود، وأما ما سواها، فإما "أو سبعًا" وإما "أو أكثر من ذلك" بالسبع، وبه قال أحمد، فكره الزيادة على السبع، وقال ابن عبد البر: لا أعلم أحدًا قال بمجاوزة السبع، وبه قال أحمد، فكره الزيادة على السبع، وقال ابن عبد البر: لا أعلم أحدًا قال بمجاوزة السبع، وسيأتي عن قتادة أن ابن سيرين كان يأخذ الغسل عن أُم عطية ثلاثًا، وإلا فخمسًا، وإلا فأكثر. قال: فرأينا أن أكثر من ذلك سبع.

<<  <  ج: ص:  >  >>