للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرِّجَالُ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ، فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً قَالَتْ قَدِّمُونِي. وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ صَالِحَةٍ قَالَتْ يَا وَيْلَهَا أَيْنَ يَذْهَبُونَ بِهَا يَسْمَعُ صَوْتَهَا كُلُّ شَيْءٍ إِلاَّ الإِنْسَانَ، وَلَوْ سَمِعَهُ صَعِقَ.

قوله: عن أبيه أنه سمع أبا سعيد المَقْبريّ، فيه إسناد آخر رواه ابن أبي ذيب عنه عن عبد الرحمن بن مِهران عن أبي هُريرة، أخرجه النَّسائيّ وابن حبّان، وقال: الطريقان جميعًا محفوظان. وقوله: إذا وضعت الجنازة، في رواية ابن أبي ذيب المذكورة إذا وضع الميت على السرير، الذي يحمل عليه أيضًا، يحتمل أن يريد بالجنازة نفس الميت، وبوضعه جعله على السرير، وأن يريد السرير، والمراد وضعها على الكتف، والأول أوْلى، لقوله بعد ذلك: فإن كانت صالحة. قالت: فإن المراد به الميت، ويؤيده رواية عبد الرحمن بن مِهران عن أبي هريرة المذكورة بلفظ "إذا وضع المؤمن على سريره يقول: قدموني".

وقوله: فإن تلك صالحة، أي الجثة المحمولة. قال الطيبيّ: جعلت الجنازة عين الميت، وجعلت الجنازة التي هي مكان الميت مقدمة إلى الخير الذي كنى به عن عمله الصالح. وقوله: قالت قدموني، وظاهره أن قائل ذلك هو الجسد المحمول على الأعناق. وقال ابن بطَّال: إنما يقول ذلك الروح، ورده ابن المنير بأنه لا مانع من أن يرد الله الروح إلى الجسد في تلك الحال، ليكون ذلك زيادة في بشرى المؤمن، وبؤس الكافر، وكذا قال غيره.

زاد: ويكون ذلك مجازًا، باعتبار ما يؤول إليه الحال بعد إدخال القبر، وسؤال المَلَكين، وهو بعيد، ولا حاجة إلى دعوى إعادة الروح إلى الجسد قبل الدفن, لأنه لا دليل، ومن الجائز أن يحدث الله النطق في الميت إذا شاء، وكلام ابن بطّال، فيما يظهر، أصوب. وقال ابن بُزيزة: قوله في آخر الحديث "يسمع صوتَها كلُّ شيء" دَلَّ على أن ذلك بلسان القال لا بلسان الحال.

وقوله: وإن كانت غير صالحة، قالت: يا ويلها، وفي رواية قالت: لأهلها. قال الطيبيّ: أي: لأجل أهلها إظهارًا لوقوعه في الهلكة، وكل من وقع في الهلكة دعا بالويل، ومعنى النداء: يا حُزني، وأضاف الويل إلى ضمير الغائب عملًا على المعنى، كراهية أن يضيف الويل إلى نفسه، أو كأنّه لما أبصر نفسه غير صالحة نفر عنها، وجعلها كأنها غيره.

ويؤيد الأول أن في رواية أبي هريرة المذكورة قال: يا ويلتاه، أين تذهبون بي؟، فدل على أن ذلك من تصرف الرواة. وقوله: ولو سمعه صَعِق، أي: غُشِيَ عليه من شدة ما يسمعه، وربما أطلق ذلك على الموت، والضمير في "يسمعه" راجع إلى دعائه بالويل، أي: يصيح بصوت منكر لو سمعه الإنسان لغُشي عليه. قال ابن بُزَيزة: هو مختص بالميت الذي هو غير صالح، وأما الصالح فمن شأنه اللطف والرفق في كلامه، فلا يناسب الصَّعْق من سماع كلامه. ويحتمل أن يحصل

<<  <  ج: ص:  >  >>