للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حق من حقوق الله، وعلى الحاكم إقامته، وقد كان لليهود حاكم، وهو الذي حكَّم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيهما.

وقول بعضهم: إن الزانيين حكّماه دعوى مردودة، واعترض بأن التحكيم لا يكون إلا لغير الحاكم، وأما النبي -صلى الله عليه وسلم- فحكمه بطريق الولاية، لا بطريق التحكيم. وأجاب الحنفية عن رجم اليهوديين بأنه وقع بحكم التوراة ورواه الخَطَّابيّ بأن الله تعالى قال: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} وإنما جاءه القوم سائلين عن الحكم عنده، كما دلت عليه الرواية المذكورة، فأشار عليهم بما كتموه من حكم التوراة، ولا جائز أن يكون حكم الإِسلام عنده مخالفًا لذلك, لأنه لا يجوز الحكم بالمنسوخ، فدل على أنه إنما حكم بالناسخ.

وأما قوله في حديث أبي هُريرة "فإنّي أحكم بما في التوراة" ففي سنده رجل مبهم، ومع ذلك فلو ثبت لكان معناه لإِقامة الحجة عليهم، وهو موافق، ويؤيده أن الرجم جاء ناسخًا للجلد، ولم يقل أحد إن الرجم شرع ثم نسخ بالجلد، ثم نسخ الجلد بالرجم. وإذا كان الرجم باقيًا منذ شُرع، فما حكم عليهما بالرجم بمجرد حكم التوراة بل بشرعه الذي استمر حكم التوراة عليه، ولم يُقَدَّر أنهم بدّلوه فيما بدّلوا.

وأما ما تقدم من أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رجمهما أول ما قدم المدينة، لقوله في بعض طرق القصة "لما قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة، أتاه اليهود" فالجواب أنه لا يلزم من ذلك الفور، ففي بعض طرقه الصحيحة, كما تقدم، أنهم تحاكموا إليه وهو في المسجد بين أصحابه، والمسجد لم يكمل بناؤه إلا بعد مدة من دخوله -صلى الله عليه وسلم- المدينة، فبطل الفور، وأيضًا، ففي حديث عبد الله بن الحارث بن جَزْء أنه حضر ذلك، وعبد الله إنما قدم مع أبيه مسلمًا بعد فتح مكة.

وقد تقدم حديث ابن عباس، وفيه ما يشعر بأنه شاهد ذلك، وفيه أن المرأة إذا أقيم عليها الحد تكون قاعدة، هكذا استدل به الطحاويّ، وقد اختلفوا في الحَفْر للمرجومة، فمن يرى أنه يحفر لها تكون في الغالب قاعدة في الحفرة، واختلافهم في إقامة الحد عليها قاعدةً أو قائمةً، إنما هو في الجلد، ففي الاستدلال بصورة الجلد على صورة الرجم نظرٌ لا يخفى.

وفيه قبول شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض، وزعم ابن العربيّ أن معنى قوله في حديث جابر "فدعا بالشهود" أي: شهود الإِسلام على اعترافهما. وقوله: فرجمهما بشهادة الشهود، أي: البينة على اعترافهما، وَرُدَّ هذا التأويل بقوله في نفس الحديث "أنهم رأوا ذكره في فرجها كالميل في المكحلة" وهو صريح في أن الشهادة بالمشاهدة لا بالاعتراف، وقال القرطبيّ: الجمهور على أن الكافر لا تقبل شهادته على مسلم، ولا على كافر، لا في حد ولا في غيره، ولا فرق بين السفر

<<  <  ج: ص:  >  >>