للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خلق على الفطرة تشبيهًا بالبهيمة التي جُدعت بعد أن خلقت سليمة، أو هو صفة مصدر محذوف، أي يغيرانه تغييرًا مثل تغييرهم البهيمة السليمة. وقد تنازعت الأفعال الثلاثة في "كما" على التقديرين. وقوله: جمعاء، أي: لم يذهب من بدنها شيء، سميت بذلك لاجتماع أعضائها، وفي الرواية الآتية "كمثل البهيمة تُنْتَج البهيمة" أي: تلدها، فالبهيمة الثانية بالنصب على المفعولية.

وقوله: هل تُحِسّون، بضم أوله، من الإحساس، والمراد به العلم، وقوله: "فيها من جدعاء" بجيم مفتوحة ودال مهملة ساكنة ممدودًا، أي: مقطعة الأُذُن أو الأنف أو الأطراف، والجملة صفة أو حال، أي: بهيمة مقولًا فيها هذا القول، أي كل من نظر إليها قال هذا القولَ، لظهور سلامتها. وفيه إيماء إلى أن تصميمهم على الكفر كان بسبب صَمَمهم عن الحق، وفي الرواية الآتية "هل ترى فيها جدعاء" قال الطيبي: هو في موضع الحال، أي: سليمة مقولًا في حقها ذلك. وفيه نوع التأكيد.

وقوله: ثم يقول أبو هريرة إلخ، قد مرَّ أن هذا مدرج من كلام أبي هُريرة. وقوله: فطرةَ الله، أي: خِلقته، نُصِبَت على الإِغراء أو المصدر لما دل عليه ما بعدها. قال صاحب الكشَّاف: أي: الزموا فطرة الله، أو عليكم فطرة الله، أي: خلقهم قابلين للتوحيد ودين الإِسلام، لكونه على مقتضى العقل والنظر الصحيح، حتى أنهم لو تركوا طباعهم لما اختاروا عليه دينًا آخر.

قال البرماويّ: ولا يخفى ما فيه من نزعة اعتزالية، وقال أبو حيان في البحر: قوله "أو عليكم فطرة الله" لا يجوز لأن فيه حذف كلمة الإغراء، ولا يجوز حذفها, لأنه قد حذف الفعل وعوض عليك منه، فلو جاز حذفه لكان إجحافًا، إذ فيه حذف العوض والمعوض عنه. وقوله: التي فطر الناس عليها، أي خَلَقهم عليها، وهي قبول الحق، وتمكنهم من إدراكه إلى آخر ما مرَّ في تفسير الفطرة من الأقوال الكثيرة.

وقوله: لا تبديل لخلق الله، أي: دين الله، كما قال به سعيد بن جبير وقتادة وإبراهيم النخعيّ. وقيل: معناه الإِحصاء، كما قاله ابن عباس ومجاهد وعكرمة، واستشكل هذا مع كون الأبوين يهودانه، وأجيب بأنه مؤول، فالمراد ما ينبغي أن تُبدَّلَ تلك الفطرة، أو من شأنها أن لا تبدل، أو الخبر بمعنى النهي.

وقوله: "ذلك" إشارة إلى الدين المأمور بإقامة الوجه له في قوله {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ} أو الفطرة إنْ فُسِّرت بالملة. وقوله: الدين القيم، أي: المستوي الذي لا عوج فيه. اعلم أن ابن هشام في المغني ذكر عن ابن هشام الخَضْراويّ أنه جعل هذا الحديث شاهدًا لورود حتى للاستثناء، فذكره بلفظ "كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه هما اللّذان يهوِّدانه وينصِّرانه" قال: ولك أن تُخَرِّجه على أن فيه حذفًا، أي: يولد على الفطرة، ويستمر على ذلك حتى يكون، يعني فتكون حتى للغاية على بابها.

<<  <  ج: ص:  >  >>