للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[باب ما جاء في قاتل النفس]

قال ابن رشيد: مقصود الترجمة حكم قاتل النفس، والمذكور في الباب حكم قاتل نفسه، فهو أخص من الترجمة، ولكنه أراد أن يلحق بقاتل نفسه قاتل غيره من باب الأوْلى, لأنه إذا كان قاتل نفسه الذي لم يتعد ظلم نفسه، ثبت فيه الوعيد الشديد، فأول من ظلم غيره بإماتة نفسه. قال ابن المنير: عادة البخاريّ إذا توقف في شيء، ترجَمَ عليه ترجمة مبهمة، كأنه ينبه على طريق الاجتهاد.

وقد نقل عن مالك أن قاتل النفس لا تقبل توبته، ومقتضاه أنه لا يصلى عليه، وهو نفس قول البخاري، ولعله أشار بذلك إلى ما رواه أصحاب السنن عن جابر بن سمرة أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أُتي برجل قتل نفسه بمَشَاقِصَ فلم يصلِّ عليه، وفي رواية النَّسَائيّ "أما أنا فلا أصلِّي عليه" لكنه لمّا لم يكن على شرطه، أومأ إليه بهذه الترجمة، وأورد فيها ما يشبه من قصة قاتل نفسه.

[الحديث الثامن عشر والمئة]

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الإِسْلاَمِ كَاذِبًا مُتَعَمِّدًا فَهُوَ كَمَا قَالَ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ عُذِّبَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ.

وقوله: من حلف بملة غير الإِسلام كاذبًا متعمدًا، فهو كما قال، وفي رواية الإِيمان والنذور "من حلف بغير ملة الإِسلام"، وفي رواية الأدب عن علي بن المبارك "مَنْ حلف على ملة غير الإِسلام، وفي رواية مسلم "من حلف على يمين بملة غير الإِسلام كاذبًا متعمدًا، فهو كما قال "والمِلة، بكسر الميم وتشديد اللام، الدين والشريعة، هي نكرة في سياق الشرط، فتعم جميع أهل الملل من أهل الكتاب، كاليهودية والنصرانية، ومن لحق بهم من المجوسية والصابئة، وأهل الأوثان والدهرية، والمعطلة، وعَبَدَة الشياطين، والملائكة، وغيرهم.

وقال ابن دقيق العيد: الحلف بالشيء حقيقةً، هو القسم به، وإدخال بعض حروف القسم عليه، كقوله: والله، والرحمن، وقد يطلق على التعليق بالشيء يمينٌ كقولهم: من حلف بالطلاق فالمراد تعليق الطلاق، وأُطلق عليه الحلف لمشابهته باليمين في اقتضاء الحث والمنع، وإذا تقرر

<<  <  ج: ص:  >  >>