للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: "إن أمي"، يأتي في السند اسم الرجل واسم أمه، وتعريف الأم ومحل تعريف الرجل. وقوله: "افْتُلِتت" بضم المثناة بعد الفاء الساكنة وكسر اللام، أي: اخذِت فَلْتَة أي: بغتة. يقال: افتلت فلان أي: مات فجأة. وافتلتت نفسه كذلك، ونفسُها بالضم على الأشهر، نائبٌ عن الفاعل، والمراد بالنفس هنا الروح. وضبطه بعضهم بفتح السين، إِما على التمييز، وإما على أنه مفعول ثانٍ لافتلتت، بمعنى سلبت. وذكره ابن قتيبة بالقاف وتقديم التاء، وقال: هي كلمة تقال لمن قتله الحب، ولمن مات فجأة، والمشهور في الرواية بالفاء.

وقوله: "وأظنها لو تكلمت تصدقت"، وفي رواية الوصايا "وأُراها لو تكلمت تصدقت" بضم همزة أرها، وهو يشعر بأن رواية ابن القاسم عن مالك عند النسائي، بلفظ "وإنها لو تكلمت" تصحيف، وظاهره أنها لم تتكلم فلم تتصدق، لكن في الموطأ عن سعيد بن سعد بن عبادة قال: خرج سعد بن عبادة مع النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- في بعض مغازيه، وحضرت أُمه الوفاة بالمدينة المنورة، فقيل لها: أوصي، فقالت: فيم أوصي؟ المالُ مالُ سعد، فتوفيت قبل أن يقدم سعد، فذكر الحديث، فإن أمكن تأويل رواية الباب أن المراد أنها لم تتكلم، أي بالصدقة، ولو تكلمت لتصدقت، أي: فكيف أُمضي ذلك؟ أو يحمل على أن سعد إما عرف ما وقع منها، أو يقال إن راوي الإثبات والنفي لم يتحدا.

وقوله: "فهل لها أجر إن تصدقت عنها؟ قال: نعم"، وفي الوصايا: "أفأتصدق عنها؟ قال: نعم، تصدقْ عنها" ولبعضهم: "أتصدق عليها أو أصرفه على مصلحتها" وأخرج النَّسائيّ من وجه آخر جهة الصدقة، فقال عن سعد بن عبادة: قلت: "يا رسول الله، إن أُمي ماتت، أفأتصدق عنها؟ قال: نعم، قلت: فأي الصدقة أفضل؟ قال: سقي الماء" وأخرجه الدارقطني في غرائب مالك بلفظ: "أن سعدًا قال: يا رسول الله، اتنتفع أُمي إِنْ تصدقت عنها وقد ماتت؟ قال: نعم، قال: اسقِ الماء".

وفي حديث ابن عباس في الوصايا روايتان، ففي رواية أن أُمي ماتت وأنا غائب عنها، أينفعها شيء إن تصدقت به عنها؟ قال: نعم، وفي رواية: إن أُمي ماتت، وعليها نذر، قال: اقضه عنها، ولا تنافي بين الروايتين لاحتمال أن يكون سأل عن النذر، وعن الصدقة عنها. وفي رواية سليمان بن كثير عند النَّسائيّ: أفيجزىء أن أعتق عنها؟ قال: اعتق عن أمك، فأفادت هذه الرواية بيان ما هو النذر المذكور، وهو أنها نذرت أن تعتق رتبة، فماتت قبل أن تفعل. ويحتمل أن تكون نذرت نذرًا مطلقًا غير مُعَيَّن، فيكون في الحديث حجة لمن أفتى في النذر المطلق بكفارة يمين، والعتق أعلى كفارات الإيمان, فلذلك أمره أن يعتق عنها.

وحكى ابن عبد البر عن بعضهم أن النذر الذي كان على والدة سعد صيامٌ، واستند إلى حديث ابن عباس الآتي في الصوم "أن رجلًا قال: يا رسول الله، إن أمي ماتت، وعليها صوم ... " الحديث. ثم رواه بأن في بعض الروايات عن ابن عباس أن امرأة فقالت: إن أختي ماتت، والحق

<<  <  ج: ص:  >  >>