للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرهط، فقال عبد الرحمن اجعلوا أمركم إلى ثلاثة، فجعل الزبير أمره إلى عليّ، وطلحة أمره إلى عثمان، وسعد أمره إلى عبد الرحمن".

وقوله: "اجعلوا أمركم إلى ثلاثة أي: في الاختيار، ليقل الاختلاف. وقول طلحة: جعلت أمري إلى عثمان فيه دلالة على أنه حضر، وقد تقدم أنه كان غائبًا عند وصية عمر، ويحتمل أنه حضر بعد أن مات، وقبل أن يتم أمر الشورى، وهذا أصح مما رواه المدائنيّ أنه لم يحضر حتى بويع عثمان. ويدل على هذا أن غيبته كانت في أمواله كما مرّ، فهي غيبة قريبة.

وقوله: "فقال عبد الرحمن: أيكم تَبَرَّأ من هذا الأمر فنجعله إليه والله عليه، وكذا الإِسلام؟ لينظرن أفضلهم في نفسه، فأُسْكِت الشيخان، فقال عبد الرحمن: أفتجعلونه إليّ، والله على أن لا آلو عن أفضلكم؟ قالا: نعم". وقوله: "والله عليه الخبر محذوف أي: عليه رقيب، وقوله: "فأُسْكِت"، بضم الهمزة وكسر الكاف، أي: كأنَّ مسكتاً أسكتهما، ويجوز فتح الهمزة والكاف، وهو بمعنى سكت، والمراد بالشيخين علي وعثمان.

وقوله: "فأخذ بيد أحدهما هو عليّ"، وبقية الكلام تدل عليه، ووقع مصرحًا به في رواية ابن فضيل عن حصين، وقوله: "فقال: لك قرابة من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، والقِدَم في الإِسلام ما قد علمت، والقِدَم بكسر القاف وفتحها، زاد المدائنيّ أنه قال: أريت لو صرف هذا الأمر عنك فلم تحضر، مَنْ كنت ترى أحق بها من هؤلاء الرهط؟ قال: عثمان.

وقوله: "خلا بالآخر، فقال له مثل ذلك زاد المدائنيّ أنه قال له: "مثل ما قال لعلي" وزاد فيه أن سعدًا أشار عليه بعثمان، وأنه دار تلك الليالي كلها على الصحابة، ومَنْ وافى المدينة من أشراف الناس، لا يخلو برجل منهم، إلا أمره بعثمان. وقد أورد المصنف قصة الثورى في كتاب الأحكام عن المُسَوّر بن مَخْرمة نحو هذا، وأتم مما هنا.

وفي قصة عمر هذه من الفوائد شفقته على المسلمين، ونصيحته لهم، وإقامته السنة فيهم، وشدة خوفه من ربه، واهتمامه بأمر الدين أكثر من اهتمامه بأمر نفسه، وأن النهي عن المدح في الوجه مخصوص بما إذا كان غلوًا مفرطًا أو كذبًا ظاهرًا، ومن ثم لم ينه عمر الشاب عن مدحه له مع أنه أمره بتشمير إزاره، والوصية بأداء الدين، والاعتناء بالدفن في جوار الصالحين، طمعًا في إصابة الرحمة إذا نزلت عليهم، وفي دعاء مَنْ يزورهم من أهل الخير، وفيه أن مَنْ بَعث رسولًا في حاجة مهمة أن له أن يسأل الرسول قبل وصوله إليه، ولا يعد ذلك من قلة الصبر، بل من الحرص على الخير.

وفيه أن مَنْ وعد بعدة له الرجوع فيها, ولا يقضى عليه بالوفاء؛ لأن عمر لو علم لزوم ذلك لها لم يستأذن ثانيًا، وأجاب مَنْ قال بلزوم العدة، يحمل ذلك من عمر على الاحتياط، والمبالغة في الورع، ليتحقق طيب نفس عائشة بما أذنت فيه أولًا، ليضاجع أكمل الخلق -صلى الله عليه وسلم- على أكمل

<<  <  ج: ص:  >  >>