للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العِقال يطلق على صدقة العام، يعني صدقته، حكاه المازريّ عن الكسائيّ، واستشهد بقول الشاعر:

سعى عِقالًا فلم يترك لنا سندًا ... فكيف لو قد سعى عمرو عقالين

وعمرو المشار إليه وابن عُتبة بن أبي سفيان، وكان عمه معاوية يبعثه ساعيًا على الصدقات، فقيل فيه ذلك، ونقل عياض عن ابن وهب أنه الفريضة من الإبل، ونحوه عن النضر بن شُميل. وعن أبي سعيد الضّرير العقال: ما يؤخذ في الزكاة من نِعَم وثمار؛ لأنه عَقَلَ عنه به طلب السلطان، وعقَلَ عنه به الإثم.

وقال المبرد: العِقال ما أخذه العامل من صدقة بعينها، فإن تعوّض عن شيء منها قيل: أخذ نقدًا، وعلى هذا فلا إشكال فيه. وذهب الأكثر إلى حمل العِقال على حقيقته، وأن المراد به الحبل الذي يعقل به البعير، نقله عياض عن مالك وابن أبي ذيب، قالا: العقال عِقال الناقة. وقال أبو عُبيد: العقال اسم لما يُعْقَل به البعير، وقد بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- محمد بن مَسْلمة على الصدقة، فكان يأخذ من كل فريضة عقالًا.

وقال النوويّ: ذهب إلى هذا كثير من المحققين، وقال ابن التيمي في التحرير: قول مَنْ فسرا العقال بفريضة العام تعسُّف، وهو نحو تأويل من حمل البيضة والحبل في حديث "لعن السارق" على بيضة الحديد، وحبل السفينة. قال: وكلما كان في هذا السياق أحقر كان أبلغ. قال: والصحيح أن المراد بالعقال ما يعقل به البعير. قال: والدليل على أن المراد به المبالغة قولُه في الرواية الأخرى: "عنَاقًا" وفي الأخرى: "جديًا" قال: فعلى هذا فالمراد بالعقال قدر قيمته. قال النوويّ: وهذا هو الصحيح الذي لا ينبغي غيره.

وفي المحكم، العقال: القَلُوص، وروى ابن القاسم وابن وهب عن مالك العقال: القلوص، وقال عياض: احتج به بعضهم على جواز أخذ الزكاة في عروض التجارة، وفيه بعد، والراجح أن العقال لا يؤخذ في الزكاة لوجوبه بعينه، وإنما يؤخذ تبعًا للفريضة التي تعقل به، أو أنه قال ذلك مبالغةً، على تقدير أنْ لو كانوا يؤدونه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وقال النوويّ: يصح قدر قيمة العِقال في زكاة النقد والمعدن والركاز والمُعَشّرات وزكاة الفطر، وفيما لو وجبت سِنّ فأخذ الساعي دونه، وفيما إذا كانت الغنم سِخالًا، فأخذ واحدة وقيمتها عقال. قال: وقد رأيت كثيرًا ممن يتعاطى الفقه يظنُّ أنه لا يتصور، وإنما هو للمبالغة، وهو غلط منه.

وقد قال الخطابيّ: حمله بعضهم على زكاة العِقال إذا كان من عروض التجارة، وعلى الحبل نفسه عند مَنْ يجيز أخذ القيم. وللشافعيُّ قول أنه يتخير بين العرض والنقد. قال: وأظهر من ذلك كله قول مَنْ قال: إنه يجب أخذ العِقال مع الفريضة، كما جاء عن عائشة "كان من عادة المتصدق أن يعمد إلى قَرَنٍ، بالتحريك، وهو الحبل، فيقرن به بين بعيرين لئلا تشرد الإبل"، وهكذا جاء عن

<<  <  ج: ص:  >  >>