للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومسلم، في كتاب الإيمان من كل منهما عن ابن عمر بلفظ: "حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله". ويحتمل أن يكون المراد بقول لا إله إلا الله هنا، التلفظَ بالشهادتين، لكونها صارت علمًا على ذلك، ويؤيده ورودهما صريحًا في الطرق الأخرى.

واستدل به على أن الزكاة لا تسقط عن المرتد، وتعقب بأن المرتد كافر، والكافر لا يطالب بالزكاة، وإنما يطالب بالإِيمان، وليس في فعل الصديق حجة لما ذكر، وإنما فيه قتال من منع الزكاة. والذين تمسكوا بأصل الإِسلام، ومنعوا الزكاة بالشبهة التي ذكروها ,لم يحكم عليهم بالكفر قبل إقامة الحجة، وقد اختلف الصحابة فيهم بعد الغلبة عليهم، هل تغنم أموالهم وتسبى ذراريهم، كالكفار؟ أم لا كالبغاة؟ فرأى أبو بكر الأول وعمل به، وناظره عمر في ذلك، وذهب إلى الثاني ووافقه غيره في خلافته على ذلك. واستقر الإجماع عليه في حق مَنْ جحد شيئًا من الفرائض بشبهة، فيطالب بالرجوع، فإنْ نصب القتال قوتل، وأقيمت عليه الحجة، فإن رجع وإلا عومل معاملة الكافر حينئذ.

ويقال إن أَصْبَغَ، من المالكية، استقر على القول الأول، فعد من ندرة المخالف، وقال القاضي عياض: يستفاد من هذه القصة أن الحاكم إذا أداه اجتهاده في أمر لا نص فيه، إلى شيء تجب طاعته فيه، ولو اعتقد بعض المجتهدين خلافه، فإن صار ذلك المجتهد المعتقد خلافه حاكمًا، وجب عليه العمل بما أداه إليه اجتهاده، وتسوغ له مخالفة الذي قبله في ذلك؛ لأن عمر أطاع أبا بكر فيما رأى من حق مانعي الزكاة، مع اعتقاده خلافه، ثم عمل في خلافته بما أدّاه إليه اجتهاده، ووافقه أهل عصره من الصحابة وغيرهم، وهذا مما يُنبه عليه في الاحتجاج بالإجماع السُّكوتي، فيشترط في الاحتجاج به انتفاء موانع الإنكار، وهذا منها.

وقال الخطابيّ: في الحديث أنَّ مَنْ أظهر الإِسلام، أُجريت عليه أحكامه الظاهرة، ولو أسر الكفر في نفس الأمر، ومحل الخلاف إنما هو فيمن اطلع على معتقده الفاسد، فأظهر الرجوع، هل يقبل منه أو لا؟ وأما مَنْ جهل أمره فلا خلاف في إجراء الأحكام الظاهرة عليه، وقد مرَّ عند حديث ابن عمر في كتاب الإيمان ما قيل في قبول تولة الزنديق، وهو الذي يسر الكفر ويظهر الإِسلام.

تكميل:

قصد البخاري بهذه الأحاديث الاستدلال على وجوب الزكاة، وقد اختلف في أول وقت فرض الزكاة، فذهب الأكثر إلى أنه وقع بعد الهجرة، فقيل: كان في السنة الثانية قبل فرض رمضان، أشار إليه النوويّ، وجزم ابن الأثير بأن ذلك كان في التاسعة، وفيه نظر، فقد تقدم في حديث ضِمام بن ثَعْلبة، وحديث وفد عبد القيس، وفي عدة أحاديث ذكرُ الزكاة، وكذا مخاطبة أبي سفيان مع هرقل، وكانت في أول السابعة، وقال فيها: "يأمرنا بالزكاة" لكن يمكن تأويل كل ذلك كما سيأتي في آخر الكلام، إلا حديث ضمام بن ثعلبة، فإنه صريح في أن فرضها كان قبل التاسعة؛ لأن قدومه كان

<<  <  ج: ص:  >  >>