للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تقبل لا تكون من جنس الممحوق. وقال الكرمانيّ: لفظ الصدقات، وإن كان أعم من أن يكون من الكسب الطيب ومن غيره، لكنه مقيّد بالصدقات التي من الكسب الطيب، بقرينة السياق، نحو {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ}.

وقوله تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا} أي: يذهبه، إما أن يذهب بالكلية من يد صاحبه، أو يحرمه بركة ماله فلا ينتفع به، بل يعذبه به في الدنيا، ويعاقبه عليه في الآخرة. فقد روى أحمد في مسنده عن ابن مسعود عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الربى، وإن كثر، فإن عاقبته تصير إلى قُلّ". وهذا من باب المعاملة بنقيض القصد.

ثم إن الله تعالى لما أخبر بأنه يمحق الربى؛ لأنه من حرام، أخبر بأنه يُربي الصدقات كما في الآية. وفي حديث الباب: ثم قال: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} أي: كفور القلب، أثيم القول والفعل، ولابد من مناسبة في ختم الآية بهذه الصفة، وهي أن المرابي لا يرضى بما قسم الله له من الحلال، ولا يكتفي بما شرع له من التكسب المباح، فهو يسعى في أكل أموال الناس بالباطل بأنواع المكاسب الخبيثة، فهو جَحُود لما عليه من النعمة، ظلوم آثم بأكل أموال الناس بالباطل.

وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} أي: لا خوف عليهم عند الموت، ولا هم يحزنون يوم القيامة، ذكر الله تعالى هذه الآية مادحًا للمطيعين لربهم، المؤدين شكره، المحسنين إلى خلقه، في إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، مخبرًا عمّا أعَدَّ لهم من الكرامة، وأنهم يوم القيامة آمنون من التُّبِعات.

وقوله: بِعَدْل تمرة، أي: قيمتها؛ لأنه بالفتح المثل، وبالكسر الحِمْل بكسر المهملة، هذا قول الجمهور. وقال الفراء: بالفتح من غير جنسه، وبالكسر من جنسه. وقيل: بالفتح مثله في القيمة، وبالكسر مثله في النظر. وأنكر البصريون هذه التفرقة، وقال الكِسائيّ: هما بمعنى كما في لفظ المِثل لا يختلف، وضبط في هذه الرواية بالفتح للأكثر.

وقوله: "ولا يقبل الله إلا الطيب" في رواية سليمان بن بلال الآتي ذكرها: "ولا يصعد إلى الله إلاَّ الطيب" وهذه جملة معترضة بين الشرط والجزاء، لتقرير ما قبله. زاد سهيل في روايته الآتي ذكرها: "فيضعها في حقها". قال القرطبيّ: وإنما لا يقبل الله الصدقة بالحرام؛ لأنه غير مملوك للمصدق، وهو ممنوع من التصرف فيه، والمتصدق به متصرف فيه، فلو قبل منه لزم أن يكون الشيء مأمورًا منهيًا من وجه واحد، وهو محال.

وقوله: "يتقبلها بيمينه" في رواية سهيل: "إلا أخذها بيمينه" وفي رواية مسلم بن أبي مريم الآتي ذكرها: "فيضعها" وفي حديث عائشة عند البزار: "فيتلقاها الرحمن بيده". وقوله: "فَلُوّه" بوزن عدو هو المهر؛ لأنه يغلى أي: يعظم، وقيل: هو كل فطيم من ذات حافر، والجمع أفلاء،

<<  <  ج: ص:  >  >>