للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[باب لا يؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا تيس إلا ما شاء المصدق]

اختلف في ضبطه، فالأكثر على أنه بالتشديد، والمراد المالك، وهو اختيار أبي عبيد، وتقدير الحديث لا تؤخذ هَرِمة ولا ذات عيب أصلًا، ولا يؤخذ التيس، وهو فحل الغنم إلا برضا المالك، لكونه يحتاج إليه، فَفي أخذه بغير اختياره إضرار به، وعلى هذا فالاستثناء مختص بالثالث.

ومنهم مَنْ ضبطه بتخفيف الصاد، وهو الساعي، وكأنه يشير بذلك إلى التفويض إليه في اجتهاده، لكونه يجري مجرى الوكيل، فلا يتصرف بغير المصلحة، فيتغير بما تقتضيه القواعد، هذا قول الشافعي في البُويْطِيّ. ولفظه: "ولا تؤخذ ذات عُوار ولا تَيس ولا هَرِمة إلا أن يرى المُصَّدِّق أن ذلك أفضل للمساكين، فيأخذه على النظر" وهذا أشبه بقاعدة الشافعيّ في تناول الاستثناء جميع ما ذكر قبله، وكذلك مذهب مالك: للساعي أخذ المعيبة دون الصغيرة، فلو كانت الغنم كلها معيبة مثلًا، أو تيوسًا، أجزأه أن يخرج منها. وعن المالكية يلزم المالك أن يشتري شاة مجزئة تمسكًا بظاهر هذا الحديث، وفي رواية أخرى عندهم كالأول.

[الحديث الستون]

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي ثُمَامَةُ أَنَّ أَنَسًا رضي الله عنه حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه كَتَبَ لَهُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ -صلى الله عليه وسلم- وَلاَ يُخْرَجُ فِي الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ، وَلاَ ذَاتُ عَوَارٍ، وَلاَ تَيْسٌ، إِلاَّ مَا شَاءَ الْمُصَدِّقُ.

قوله: "هَرمَة" بفتح الهاء وكسر الراء، الكبيرة التي سقطت أسنانها. وقوله: "ذات عُوار" بفتح العين المهملة وبضمها، أي معيبة، وقيل بالفتح العيب، وبالضم العَوَر، واختلف في ضبطها، فالأكثر على أنه ما يثبت به الرد في البيع، وقيل: ما يمنع الإجزاء في الأُضحية، ويدخل في المعيب المريض والذكورة بالنسبة إلى الأنوثة، والصغير سنًا بالنسبة إلى سن أكبر منه، ومذهب الحنفية أنه ليس في الفُصلان والعَجاجيل والحِملان صَدَقة، وهذا آخر أقوال أبي حنيفة. وبه قال محمد بن الحسن والثَّوري والشَّعبيّ. وكان يقول فيها: أولًا يجب فيها ما يجب في الكبار من الجَذَع والثَّنِيَّة، وبه قال مالك وزُفَر وأبو عبيد والثَّورِيّ وأبو بكر من الحنابلة، وفي المغني في الصحيح ثم رجع، وقال: تجب واحدة منها، وبه قال الأوزاعي وإسحاق والشافعيّ في الجديد، وصححوه، ثم رجع إلى ما ذكرناه آنفًا، وفي شرح المهذب للنوويَّ: إذا كانت الماشية صغارًا أو واحدة منها في سن

<<  <  ج: ص:  >  >>