للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خامسها: تشبيه المتقاد عن جمعه وضمه، بالشاة إذا استراحت، وحطت جانبها مستقبلة عين الشمس، فإنها من أحسن حالاتها سكونًا وسَكِينة، وفيه إشارة إلى إدراكها لمصالحها.

سادسها: تشبيه موت الجامع المانع بموت البهيمة الغافلة عن دفع ما يضرها.

سابعها: تشبيه المال بالصاحب الذي لا يؤْمَن أن ينقلب عدوًا، فإن المال من شأنه أن يحرز وبشد وثقاقه بحباله، وذلك يقتضي منعه من مستحقه، فيكون سببًا لعقاب مقتنيه.

ثامنها: تشبيه آخذه بغير حق بالذي يأكل ولا يشبع. وقال الغزالي: مثل المال مَثَل الحية التي فيها تِرياق نافعٌ وسُم ناقِع، فإنْ أصابها العارف الذي يحترز من شرها، ويعرف استخراج ترياقها، كان نعمة وإن أصابها الغبيُّ فقد لقي البلاء المُهلك.

وفي الحديث جلوس الإِمام على المنبر عند الموعظة في غير خطبة الجمعة ونحوها، وفيه جلوس الناس حوله، والتحذير من المنافسة في الدنيا، وفيه استفهام العالم بما يشكل، وطلب الدليل لدفع المعارضة. وفيه تسمية المال خيرًا، ويؤيده قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} وقوله تعالى: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْر}. وفيه ضرب المثل بالحكمة، وإن وقع في اللفظ ذكر ما يستهجن، كالبول، فإن ذلك يُغتفَر لما يترتب على ذكره من المعاني اللائقة بالمقام، وفيه أنه -صلى الله عليه وسلم- كان ينتظر الوحيَ عند إرادة الجواب عمّا يسأل عنه. وهذا على ما ظنه الصحابة، ويجوز أن يكون سكوته ليأتي بالعبارة الوجيزة الجامعة المفهمة.

وقد عد ابن دُريد هذا الحديث، وهو قوله: "إن مما ينبتُ الربيع يقتلُ حَبَطًا أو يُلِم" من الكلام المفرد الوجيز الذي لم يسبق -صلى الله عليه وسلم- إلى معناه، وكل من وقع شيء منه في كلامه، فإنما أخذه منه. ويستفاد منه ترك العجلة في الجواب إذا كان يحتاج إلى التأمل، وفيه لوم مَنْ ظن به تعنت في السؤال، وحمد من أجاد فيه. ويؤيد أنه من الوحي قوله: "يمسح العرق" فإنها كانت عادته عند نزول الوحي كما تقدم في بدء الوحي، وأن جبينه لَيَتَفَصَّدُ عرقًا.

وفيه تفضيل الغني على الفقير، ولا حجة فيه؛ لأنه يمكن التمسك به لمن لم يرجح أحدهما على الآخر، والعجب أن النوويّ قال: فيه حجة لمن رجح الغني على الفقير، وكان قبل ذلك شرح قوله: "لا يأتي الخير إلاَّ بالخير" على أن المراد أن الخير الحقيقيّ لا يأتي إلا بالخير، لكن هذه الزَّهرة ليست خيرًا حقيقيًا، لما فيها من الفتنة والمنافسة، والاشتغال من كمال الإِقبال على الآخرة، فعلى هذا يكون حجة لمن يفضل الفقر على الغنى، والتحقيق أن لا حجة فيه لأحد القولين. وقد مرّ الكلام مستوفى على هذه المسألة في كتاب العلم في باب الاغتباط في العلم.

وفيه الحضُّ على إعطاء اليتيم والمسكين وابن السبيل، وفيه أن المكتسب للمال من غير حِلّه لا يبارك له فيه، لتشبيهه بالذي يأكل ولا يشبع. وفيه ذم الإسراف وكثرة الأكل والنَّهَم فيه، وأن اكتساب المال من غير حِلِّه، وكذا إمساكه من إخراج الحق منه، سببٌ لمحقه، فيصير غير مبارك،

<<  <  ج: ص:  >  >>