للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَمرة: معناه أنه ليس في وجهه شيء من الحُسْن، لأن حُسْن الوجه هو بما فيه من اللحم، ومال الملهب إلى حمله على ظاهره، وإلى أن السر فيه أن الشمس تدنو يوم القيامة، فإذا جاء لا لحم بوجهه كانت أَذِيَّةُ الشمس له أكثر من غيره. قال: والمراد به: مَنْ سأل تَكَثُّرًا وهو غني لا تحل له الصدقة، وأما من سأل وهو مضطر، فذلك مباح فلا يعاقب عليه، وبهذا تظهر مناسبة إيراد هذا الطرف من حديث الشفاعة عقب هذا الحديث.

قال ابن المنير: لفظ الحديث قال على ذم تكثير السؤال، والترجمة لمن سأل تكثرًا، والفرق بينهما ظاهر، لكن لما كان المتوعد عليه، على ما تشهد به القواعد، هو السائل عن غنى، وأن سؤال ذي الحاجة مباحٌ، نزّل البخاري الحديث على من يسأل ليكثر ماله.

وقوله: حتى يبلغ العرق نصف الأذن، وفي حديث أبي هُريرة في الرقاق "يعرق الناس يوم القيامة حتى يذهب عرقهم في الأرض سبعين ذراعًا، ويلجمهم حتى يبلغ آذانهم" قال عياض: يحتمل أن يريد عرق الإنسان نفسه بقدرخوفه مما يشاهد من الأهوال، ويحتمل أن يريد عرقه وعرق غيره، فيشدد على بعض ويخفف على بعض، وهذا كله بتزاحم الناس وانضمام بعضهم إلى بعض، حتى صار العرق يجري سائحًا في وجه الأرض، كالماء في الوادي، بعد أن شربت منه الأرض، وغاص فيها سبعين ذراعًا.

واستشكل بأن الجماعة إذا وقفوا في الماء الذي على أرض معتدلة، كانت تغطية الماء لهم على السواء، لكنهم إذا اختلفوا في الطول والقصر، تفاوتوا، فكيف يكون الكل إلى الأذن؟ الجواب أن ذلك من الخوارق الواقعة يوم القيامة. والأولى أن تكون الإشارة بمن يصل الماء إلى أذنيه، إلى غاية ما يصل الماء، ولا ينفي أن يصل الماء لبعضهم إلى دون ذلك.

قلت: الأولى في الجواب عندي أن الناس يوم القيامة على طول رجل واحد، كما ورد في الصحيح. وقد أخرج الحاكم عن عقبة بن عامر، رفعه، "تدنو الشمس من الأرض يوم القيامة، فيعرق الناس، فمنهم من يبلغ عرقه عقبه، ومنهم من يبلغ ساقه، ومنهم من يبلغ ركبته، ومنهم من يبلغ فخذه، ومنهم من يبلغ خاصرته، ومنهم من يبلغ منكبه، ومنهم من يبلغ فاه، وأشار بيده فألجمها فاه، ومنهم من يغطيه عرقه، وضرب بيده على رأسه". وله شاهد عند مسلم، من حديث المقداد بن الأسود، وليس بتمامه، وفيه "تُدَنّى الشمسُ يوم القيامة من الخلق، حتى تكون منهم كمقدار ميل، فتكون الناس على مقدار أعمالهم في العرق .. " الحديث. فإنه ظاهر في أنهم يستوون في وصول العرق إليهم، ويتفاوتون في حصوله فيهم.

وقوله، في الحديث: سبعين ذراعًا، في رواية الإسماعيلي عن سُليمان بن بلال "سبعين باعًا"، وعند الطبرانيّ والبيهقيّ عن ابن مسعود "أن الرجل ليفيض عرقًا حتى يسيح في الأرض قامة، ثم يرفع حتى يبلغ أنفه" وفي رواية عنه عند أبي يعلى، وصححها ابن حِبّان أن الرجل ليلجمه العرق

<<  <  ج: ص:  >  >>