للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: هذا جبل يحبنا ونحبه، قال السهيليّ سمِّي أُحدًا لتوحُّده، وانقطاعه عن جبال أخوى هناك، أو لِمَا وقع من أهل التوحيد. وللعلماء في معنى ذلك أقوال، قيل: هو على الحقيقة، وظاهره: ولا مانع من وقوع مثل ذلك، بأن يخلق الله تعالى المحبة في بعض الجمادات، كما جاز التسبيح منها، ولكون أُحد من جبال الجنة، كما أخرجه أحمد عن أبي عبس بن جَبر مرفوعًا "جبل يحبنا ونحبه، وهو من جبال الجنة" وقد خاطبه -صلى الله عليه وسلم- مخاطبة من يعقل، فقال، لما اضطرب: "اسكن أُحُدُ" وقيل: إن على حذف مضاف مجازًا، أي: أهل أحد، والمراد بهم الأنصار؛ لأنهم جيرانه على حد قوله تعالى {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} وقال الشاعر:

وما حُبُّ الديار شغفنَ قلبي ... ولكنْ حبُّ من سَكَنَ الدِّيارا

وقيل: إنه قال ذلك للمسرة بلسان الحال، إذا قدم من سفر، لقربه من أهله ولقياهم، وذلك فعل من يحب نجمن يحب، وقال السهيليّ: كان عليه الصلاة والسلام يحب الفأل الحسن، والاسم الحسن، ولا اسم أحسن من اسم مشتق من الأحَدية. قال: ومع كونه مشتقًا من الأحدية، فحركات حروفه الرفع، وذلك يشعر بارتفاع دين الأحَد وعلوه، فتعلق الحب من النبي -صلى الله عليه وسلم- من به لفظًا ومعنى، فخُص من بين الجبال بذلك.

وقوله: دور بني النجار، وهم من الخزرج، والنجار هو تَيْم الله، وسمى بذلك لأنه ضرب رجلًا فنجره، فقيل له النجار. وهو ابن ثعلبة بن عمرو من الخزرج، وهم أخوال جد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لأن والدة عبد المطلب منهم، وعليهم نزل لما قدم المدينة، فلهم مزية على غيرهم. وقوله: ثم بنو عبد الأشهل، هم من الأوس، وهم رهط سعد بن معاذ، وقد اختلف على أبي سلمة، هل قدم عبد الأشهل علي بني النجار أو بالعكس؟ ولم يختلف على أنس في تقديم بني النجار، وهو منهم، فله مزيد عناية بحفظ فضائلهم.

وقوله: ثم بنو الحارث بن الخزرج، أي: الأكبر، وقوله: ثم بنو ساعدة، هم من الخزرج، أيضًا، وساعدة هو ابن كعب بن الخزرج الأكبر، وقوله: وفي كل دور الأنصار، يعني خيرًا، أي: الفضل حاصل في جميع الأنصار، وإن تفاوتت مراتبه.

وفي هذا الحديث مشروعية الخرص، وقد مرَّ في الترجمة أن أهل الرأي خالفوا فيه، والمراد بهم الشَّعبيّ والثَّوريّ وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد بن الحسن، ومرّ ما احتجوا به، والرد عليهم، واختلف القائلون به: هل هو واجب أو مستحب؟ فحكى الصَّيْمَريُّ من الشافعية وجهاً بوجوبه، وقال الجمهور: هو مستحب إلا إنْ تعلق به حق محجور مثلًا، أو كان شركاؤه غير مؤتمنين، فيجب لحفظ مال الغير. واختلف أيضًا هل يختص بالنخل، أو يلحق به العنب أو يعم كل ما ينتفع به، رطبًا أو جافًا؟ وبالأول قال شُريح القاضي وبعض أهل الظاهر. والثاني قول الجمهور، وإلى الثالث نحا البخاريّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>