للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: "فانظروا حذوها"، أي: اعتبروا ما يقابل الميقات من الأرض التي تسلكونها من غير ميل، فاجعلوه ميقاتًا.

وقوله: "فحدَّ لهم ذات عرق"، ظاهره أن عمر حدَّ لهم ذات عرق باجتهاد منه، وقد روى الشافعي عن أبي الشعثاء، قال: لم يوقت النبي -صلى الله عليه وسلم- لأهل المشرق شيئًا، فاتخذ الناس بحيال قرن ذات عرق، وروى أحمد عن ابن عمر حديث المواقيت، وزاد: قال ابن عمر: فآثر الناس ذات عرق على قرن. وله عن سفيان، عن صدقة، عن ابن عمر، فذكر حديث المواقيت، قال: فقال له قائل: فأين العراق؟ فقال ابن عمر: لم يكن يومئذ عراق، وسيأتي في الاعتصام عنه: لم يكن يومئذ عراق، وفي "غرائب مالك": للدارقطني عن عبد الرزاق، عن مالك، عن ابن عمر، قال: وقَّت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأهل العراق قرنًا، قال عبد الرزاق: قال لي بعضهم: إن مالكًا محاه من كتابه، وقال الدارقطني: تفرد به عبد الرزاق، قال في "الفتح": والإِسناد إليه ثقات، أثبات، وأخرجه إسحاق بن راهويه في "مسنده" عنه، وهو غريب جدًا، وحديث الباب يرده، وروى الشافعي عن طاووس، قال: لم يوقت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات عرق، ولم يكن حينئذ أهل المشرق، وقال في "الأم": لم يثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه حدَّ ذات عرق، وإنما أجمع عليه الناس.

وهذا كله يدل على أن ميقات ذات عرق ليس منصوصًا، وبه قطع الغزالي والرافعي في "شرح المسند"، والنووي في "شرح مسلم"، وكذا وقع في "المدونة" لمالك، وصحح الحنفية والحنابلة وجمهور الشافعية والرافعي في "الشرح الصغير"، والنووي في "شرح المهذب" أنه منصوص، ووقع ذلك في حديث جابر عند مسلم، إلا أنه مشكوك في رفعه، وأخرجه أبو عوانة في "مستخرجه" كذلك، وأخرجه أحمد وابن ماجه، ولم يشكّا في رفعه، ووقع في حديث عائشة والحارث بن عمرو السهمي عند أحمد وأبي داود والنسائي. وهذا يدل على أن للحديث أصلًا، فلعلَّ من قال إنه غير منصوص لم يبلغه، أو رأى ضعف الحديث باعتبار أن كل طريق لا يخلو عن مقال، ولهذا قال ابن خزيمة: رويت في ذات عراق أخبار لا يثبت شيء منها عند أهل الحديث، وقال ابن المنذر: لم نجد في ذات عرق حديثًا ثابتًا، لكن الحديث بمجموع الطرق يقوى، وأما إعلال من أعلَّه بأن العراق لم تكن فتحت حينئذ، فقال ابن عبد البر: هو غفلة؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- وقَّت المواقيت لأهل النواحي قبل الفتوح، لكن علم أنها ستفتح، فلا فرق في ذلك بين الشام والعراق. أ. هـ.

وبهذا أجاب الماوردي وآخرون، ولكن يظهر أن مراد من قال: لم يكن العراق يومئذ،

<<  <  ج: ص:  >  >>