للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المتأخرين تقي الدين السبكي، وبحث مع النووي في اختياره أنه -صلى الله عليه وسلم- كان قارنًا، وأن الإِفراد مع ذلك أفضل مستندًا إلى أنه عليه الصلاة والسلام اختار الإِفراد أولًا، ثم أدخل عليه العمرة لبيان جواز الاعتمار في أشهر الحج لكونهم كانوا يعتقدونه من أفجر الفجور كما في ثالث أحاديث الباب، وملخص ما تعقب به كلامه أن البيان قد سبق منه -صلى الله عليه وسلم- في عُمَرِه الثلاث فإنه أحرم في كل منها في ذي القعدة: عمرة الحديبية التي صُدّ عن البيت فيها، وعمرة القضية التي بعدها، وعمرة الجعرانة، ولو كان أراد باعتماره مع حجته بيان الجواز فقط مع أن الأفضل خلافه لاكتفى في ذلك بأمره أصحابه أن يفسخوا حجهم إلى العمرة.

واحتج القائلون بأفضلية القرآن بقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}، وبما رواه البخاري عن عمر مرفوعًا: "وقيل عمرة في حجة" وبحديث أنس: "ثم أهلّ بحج وعمرة"، وبحديث عمران بن حصين عند مسلم: "جمع بين حج وعمرة"، ولأبي داود والنسائي عن البراء مرفوعًا: "إني سقت الهدي وقرنت"، وللنسائي من حديث علي مثله، ولأحمد عن سراقة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قرن في حجة الوداع، وله عن أبي طلحة: جمع بين الحج والعمرة، وللدارقطني عن أبي سعيد وأبي قتادة والبزار عن ابن أبي أوفى ثلاثتهم مرفوعًا مثله.

وأجاب القائلون بالإِفراد عن الآية بأنها ليس فيها إلا الأمر بإتمامها، ولا يلزم منه قرنهما في الفعل، فهو كقوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}، وأجاب البيهقي عن هذه الأحاديث وغيرها نصرة أنه -صلى الله عليه وسلم- كان منفردًا، فنقل عن سليمان بن حرب أن رواية أبي قلابة عن أنس أنه سمعهم يصرخون بهما جميعًا أثبت من رواية من روى عنه أنه -صلى الله عليه وسلم- جمع بين الحج والعمرة، ثم تعقبه بأن قتادة وغيره من الحفاظ رووه عن أنس كذلك، فالاختلاف فيه على أنس نفسه، قال: فلعله سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يعلم غيره كيف يهل بالقران، فظن أنه أهلَّ عن نفسه.

وأجاب عن حديث حفصة الآتي قريبًا بما نقل عن الشافعي أن معنى قولها: ولم تحل أنت من عمرتك، أي: من إحرامك، وعن حديث عمر بأن جماعة رووه بلفظ: صلى في هذا الوادي، وقال: عمرة في حجة، وهؤلاء أكثر عددًا ممن رواه وقل: عمرة في حجة فيكون إذنًا في القران لا أمرًا للنبي -صلى الله عليه وسلم- في حال نفسه، وعن حديث عمران بأن المراد بذلك إذنه لأصحابه في القران بدليل روايته الأخرى أنه -صلى الله عليه وسلم- أعمر بعض أهله في العشر، وروايته الأخرى أنه عليه الصلاة والسلام تمتع، فإن مراده بكل ذلك إذنه في ذلك، وعن حديث البراء بأنه ساقه في قصة علي الآتية في هذا الباب، وقد رواها أنس في هذا الباب وجابر فيما أخرجه

<<  <  ج: ص:  >  >>