للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أعلم من عبد الله بن شقيق، فلم يقولا ذلك، والتمتع إنما كان في حجة الوداع، وقد قال ابن مسعود كما ثبت عنه في الصحيحين: كنا آمن ما يكون الناس، وقال القرطبي: قوله: "خائفين" أي: من أن يكون أجر من أفرد أعظم من أجر من تمتع، وهذا جمع حسن، ولكن لا يخفى بعده، ويحتمل أن يكون عثمان أشار إلى أن الأصل في اختياره عليه الصلاة والسلام فسخ الحج إلى العمرة في حجة الوداع دفع اعتقاد قريش منع العمرة في أشهر الحج، وكان ابتداء ذلك بالحديبية, لأن إحرامهم بالعمرة كان في ذي القعدة، وهو من أشهر الحج، وهناك يصح إطلاق كونهم خائفين، أي: من وقوع القتال بينهم وبين المشركين، وكان المشركون صدوهم عن الوصول إلى البيت، فتحللوا من عمرتهم، وكانت أول عمرة وقعت في أشهر الحج، ثم جاءت عمرة القضية في ذي القعدة أيضًا، ثم أراد -صلى الله عليه وسلم- تأكد ذلك بالمبالغة فيه حتى أمرهم بفسخ الحج إلى العمرة.

وقوله: "ما كنت لأدع سنة" الخ، زاد النسائي والإِسماعيلي: فقال عثمان: تراني أنهى الناس وأنت تفعله، فقال: ما كنت أدع، وفي قصة عثمان وعلي من الفوائد إشاعة العالم ما عنده من العلم، واظهاره ومناظرة ولاة الأمر وغيرهم في تحقيقه لمن قوي على ذلك لقصد مناصحة المسلمين والبيان بالفعل مع القول، وجواز الاستنباط من النص لأن عثمان لم يخْفَ عليه أن التمتع والقِران جائزان، وإنما نهى عنهما ليعمل بالأفضل، كما وقع لعمر، لكن خشي علي أن يحمل غيره النهي على التحريم، فأشاع جواز ذلك وكل منهما مجتهد مأجور، وقد ذكر ابن الحاجب حديث عثمان في التمتع دليلًا لمسألة اتفاق أهل العصر الثاني بعد اختلاف أهل العصر الأول، فقال: وفي الصحيح أن عثمان كان نهى عن المتعة، قال البغوي: ثم صار إجماعًا وتعقب بأن نهي عثمان عن المتعة إن كان المراد به الاعتمار في أشهر الحج قبل الحج، فلم يستقو عليه الإجماع لأن الحنفية يخالفون فيه، وإن كان المراد به فسخ الحج إلى العمرة، فكذلك لأن الحنابلة يخالفون فيه كما مرَّ، ووراء ذلك أن رواية النسائي السابقة مشعرة بأن عثمان رجع عن النهي، فلا يصح التمسك به، ولفظ البغوي في شرح السنة بعد أن ساق حديث عثمان: هذا خلاف علي. وأكثر الصحابة على الجواز، واتفقت عليه الأئمة بعد، فحمله على أن عثمان نهى عن التمتع، والظاهر أن عثمان ما كان يبطله، وإنما كان يرى أن الإفراد أفضل منه، وإذا كان كذلك، فلم تتفق الأئمة على ذلك، فإن الخلاف في أي الأمور الثلاثة أفضل باق، وفيه أن المجتهد لا يلزم مجتهدًا آخر بتقليده لعدم إنكار عثمان على علي ذلك مع كون عثمان الإِمام إذ ذاك.

<<  <  ج: ص:  >  >>