للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأخرجه البخاري أيضًا، وأخرجه مسلم.

[الحديث الثالث والخمسون]

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ، قَالَ: قَدِمْتُ مُتَمَتِّعًا مَكَّةَ بِعُمْرَةٍ، فَدَخَلْنَا قَبْلَ التَّرْوِيَةِ بِثَلاَثَةِ أَيَّامٍ، فَقَالَ لِي أُنَاسٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ: تَصِيرُ الآنَ حَجَّتُكَ مَكِّيَّةً. فَدَخَلْتُ عَلَى عَطَاءٍ أَسْتَفْتِيهِ فَقَالَ: حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما أَنَّهُ حَجَّ مَعَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ سَاقَ الْبُدْنَ مَعَهُ، وَقَدْ أَهَلُّوا بِالْحَجِّ مُفْرَدًا، فَقَالَ لَهُمْ: "أَحِلُّوا مِنْ إِحْرَامِكُمْ بِطَوَافِ الْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَقَصِّرُوا ثُمَّ أَقِيمُوا حَلاَلاً، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ فَأَهِلُّوا بِالْحَجِّ، وَاجْعَلُوا الَّتِي قَدِمْتُمْ بِهَا مُتْعَةً". فَقَالُوا: كَيْفَ نَجْعَلُهَا مُتْعَةً وَقَدْ سَمَّيْنَا الْحَجَّ؟ فَقَالَ: "افْعَلُوا مَا أَمَرْتُكُمْ، فَلَوْلاَ أَنِّي سُقْتُ الْهَدْيَ لَفَعَلْتُ مِثْلَ الَّذِي أَمَرْتُكُمْ، وَلَكِنْ لاَ يَحِلُّ مِنِّي حَرَامٌ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ". فَفَعَلُوا. قال أبو عبد الله: أبو شهاب ليس له مسند إلا هذا.

قوله: "حجك مكياً" في رواية الكشميهني: حجتك مكية، يعني: قليلة الثواب لقلة مشقتها، وقال ابن بطال: معناه أنك تنشىء حجك من مكة، كما ينشىء أهل مكة منها، فيفوتك فضل الإحرام من الميقات.

وقوله: "يوم ساق البدن معه" بضم الموحدة وإسكان الدال: جمع بدنة، وذلك في حجة الوداع، وقد رواه مسلم عن أبي نعيم بلفظ: عامَ ساق الهدي.

وقوله: "أحلوا من إحرامكم" أي: اجعلوا حجكم عمرة، وتحللوا منها بالطواف والسعي.

وقوله: "وقصروا" إنما أمرهم بذلك لأنهم يهلون بعد قليل بالحج، فأخر الحلق لهم لأن بين دخولهم وبين يوم التروية أربعة أيام فقط.

وقوله: "اجعلوا التي قدمتم بها متعة، أي: اجعلوا الحجة المفردة التي أهللتم بها عمرة تتحللوا منها فتصيروا متمتعين، فأطلق على العمرة متعة مجازًا، والعلاقة بينهما ظاهرة، وفي رواية عطاء عند مسلم: فلما قدمنا مكة أمرنا أن نحل ونجعلها عمرة، ومثله في رواية الباقر عن عبد الله في الخبر الطويل عند مسلم.

وقوله: "فلولا أني سقت الهدي" الخ، فيه ما كان عليه الصلاة والسلام من تطييب قلوب أصحابه، وتلطفه بهم وحلمه عنهم، وفيه استعمال "لو" في مثل هذا, ولا تعارض بينه وبين حديث: "لو تفتح عمل الشيطان" لأن المراد بذلك باب التلهف على أمور الدنيا لما فيه من

<<  <  ج: ص:  >  >>