للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البيت فلا يحنث بدخوله، فليس بواضح، فإن المشروع من الطواف ما شرع للخليل بالاتفاق، فعلينا أن نطوف حيث طاف، ولا يسقط ذلك بانهدام حرم البيت لأن العبادات لا يسقط المقدور عليه منها بفوات المعجوز عنه، فحرمة البقعة ثابتة ولو فقد الجدار، وأما اليمين فمتعلقة بالعرف، ويؤيد ما قلناه أنه لو انهدم مسجد، فنقلت حجارته إلى موضع آخر بقيت حرمة المسجد بالبقعة التي كان بها, ولا حرمة لتلك الحجارة المنقولة إلى غير مسجد، فدلَّ على أن البقعة أصل للجدار بخلاف العكس، أشار إلى ذلك ابن المنير.

وفي حديث بناء الكعبة من الفوائد غير ما تقدم ما ترجم عليه المصنف في العلم، وهو ترك بعض الاختيار مخافة أن يقصر عنه فهم بعض الناس، والمراد بالاختيار هو عبارته المستحب، وفيه اجتناب ولى الأمر ما يتسرع الناس إنكاره، وما يخشى منه تولد الضرر عليهم في دين أو دنيا، وتألف قلوبهم بما لا يترك فيه أمر واجب، وفيه تقديم الأهم فالأهم من دفع المفسدة وجلب المصلحة، وأنهما إذا تعارضا بدىء بدفع المفسدة، وأن المفسدة إذا أمن وقوعها عاهد استحباب عمل المصلحة وحديث الرجل مع أهله في الأمور العامة، وحرص الصحابة على امتثال أوامر النبي -صلى الله عليه وسلم-.

وحكى ابن عبد البر، وتبعه عياض وغيره عن الرشيد أو المهدي أو المنصور أنه أراد أن يعيد الكعبة على ما فعله ابن الزبير، فناشده مالك في ذلك وقال: أخشى أن يصير ملعبة للملوك، فتركه، وهذا بعينه هو خشية جدهم الأعلى عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنه، فأشار على ابن الزبير لما أراد أن يهدم الكعبة، ويجدد بناءها بأن يرمم ما وهي منها ولا يتعرض لها بزيادة ولا نقص، وقال له: لا آمن أن يجيىء من بعدك أمير فيغير الذي صنعت، أخرجه الفاكهاني عن عطاء، عنه، وذكر الأزرقي أنَّ سليمان بن عبد الملك همّ بنقض ما فعله الحجاج، ثم ترك لما ظهر له أنه فعله بأمر أبيه عبد الملك، ولم يقف صاحب "الفتح" في شيء من التواريخ على أن أحدًا من الخلفاء، ولا من دونهم غير من الكعبة شيئا مما صنعه الحجاج إلى الآن إلا في الميزاب والباب وعتبته، وكذا وقع الترميم في جدارها مرة بعد مرة، وفي سقفها، وسلم سطحها، وجدد فيها الرخام، فذكر الأزرقي عن ابن جريج أنَّ أول من فرشها بالرخام الوليد بن عبد الملك، ووقع في جدارها الشامي ترميم في شهور سنة سبعين ومائتين، ثم في شهور سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة، ثم في شهور سنة تسع عشرة وستمائة، ثم في سنة ثمانين وستمائة، ثم في سنة أربع عشرة وثمانمائة، وقد ترادفت الأخبار الآن في وقتنا هذا في سنة اثنين وعشرين أن جهة الميزاب فيها ما يحتاج إلى ترميم، فاهتم بذلك

<<  <  ج: ص:  >  >>