للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سفيان، وقال: يا رسول الله أبيحت خضراء قريش لا قريش بعد اليوم، قال: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من أغلق بابه فهو آمن".

وعند الشافعي ورواية عن أحمد أنها فتحت صلحًا لما وقع من التأمين ولإضافة الدور إلى أهلها, ولأنها لم تقسم، ولأن القائمين لم يملكوا دورها وإلا لجاز إخراج أهل الدور منها.

واحتج الجمهور بما وقع من التصريح بالأمر بالقتال ووقوعه من خالد بن الوليد، وبتصريحه عليه الصلاة والسلام بأنها أحلت ساعة من نهار، ونهيه عن التأسي به في ذلك، وأجابوا عن ترك القسمة بأنها لا تستلزم عدم العنوة، فقد تفتح عنوة، ويمنّ على أهلها، ويترك لهم دورهم وغنائمهم, لأن قسمة الأرض المغنومة ليس متفقًا عليها، بل الخلاف ثابت عن الصحابة ومن بعدهم، وقد فتحت أكثر البلاد عنوة، فلم تقسم وذلك في زمن عمر وعثمان مع وجود أكثر الصحابة، وقد زادت مكة عن ذلك بأمر يمكن أن يدعي اختصاصها به دون بقية البلاد، وهي أنها دار النسك ومتعبد الخلق، وقد جعلها الله تعالى حرمًا سواء العاكف فيه والبادي.

وأما قول النووي: "احتج الشافعي بالأحاديث المشهورة من أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صالحهم بمر الظهران قبل دخول مكة" ففيه نظر؛ لأن الذي أشار إليه إن كان مراده ما وقع له من قوله -صلى الله عليه وسلم-: "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن كما تقدّم، وكذا من دخل المسجد كما عند ابن إسحاق، فإن ذلك لا يسمى صلحًا إلا إذا التزم من أُشير إليه بذلك الكف عن القتال، والذي ورد في الأحاديث الصحيحة ظاهر في أن قريشًا لم يلتزموا ذلك لأنهم استعدوا للحرب كما ثبت في حديث أبي هريرة عند مسلم أن قريشًا وبشت أوباشًا لها وأتباعًا، فقالوا: تقدم هؤلاء فإن كان لهم شيء كنا معهم وإن أُصيبوا أعطيناه الذي سألنا، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أترون أوباش قريش"، ثم قال بإحدى يديه على الأخرى إلى آخر الحديث المار قريبًا، وإن كان مراده بالصلح وقوع عقد به، فهذا لم ينقل، والظن أنه عني الاحتمال الأول، وفيه ما ذكر وتمسك أيضًا من قال أنه آمنهم بما وقع عند ابن إسحاق في سياق قصة الفتح، فقال العباس: أحد بعض المطابة، أو صاحب لبن أو ذا حاجة يأتي مكة فيخبرهم بمكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليخرجوا إليه فيستأمنوه قبل أن يدخلها عنوة، ثم قال في القصة: "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن" فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد، وعند موسى بن عقبة في "المغازي" أن أبا سفيان وحكيم بن حزام قالا: يا رسول الله! كنت حقيقًا أن تجعل عدتك

<<  <  ج: ص:  >  >>