للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعنه: التفرقة بين الذمي والحربي، وكذا عند الشافعية، وعن أبي حنيفة: لا يتوارث حربي من ذمي، فإن كانا حربيين شرطا أن يكونا من دار واحدة.

وعند الشافعية لا فرق، وعندهم وجه كالحنفية، وعن الثوري وربيعة: وطائفة الكفر ثلاث ملل: يهودية ونصرانية وغيرهم، فلا ترث ملة من هذه من ملة من الملتين، وعن طائفة من أهل المدينة والبصرة: كل فريق من الكفار ملة، فلم يورثوا مجوسيًا، من وثني ولا يهوديًا من نصراني وهو قول الأوزاعي، وبالغ فقال: لا يرث أهل نِحلة من دين واحد أهل نحلة أُخرى منه كاليعقويية والملكية من النصارى.

واختلف في المرتد، فقال الشافعي وأحمد: يصير ماله إذا مات فيئًا للمسلمين، وقال مالك: يكون فيئًا إلا إن قصد بردته أن يحرم ورثته المسلمين فيكون لهم، وكذا قال في الزنديق، وعن أبي يوسف ومحمد: لورثته المسلمين، وعن أبي حنيفة: ما كسبه قبل الردة لورثته المسلمين، وبعد الردة لبيت المال، وعن بعض التابعين كعلقمة: يستحقه أهل دينه الذي انتقل إليه، وعن داود: يختص بورثته من أهل الدين الذي انتقل إليه، ولم يفصّل.

والحاصل من ذلك ستة مذاهب حررها الماوردي، واحتج القرطبي في "المفهم" لمذهبه بقوله تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} , فهي ملل متعددة، وشرائع مختلفة، وأما ما احتجوا به من قوله تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} فوحد الملة، فلا حجة فيه لأن الوحدة في اللفظ، وفي المعنى الكثرة لأنه أضافه إلى مفيد الكثرة كقول القائل: أخذ من علماء الدين علمهم، يريد علم كل منهم، قال: واحتجوا بقوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، الخ، والجواب أن الخطاب بذلك وقع لكفار قريش، وهم أهل وثن، وأما ما أجابوا به عن حديث: "لا يتوارث أهل ملتين"، بأن المراد ملة الإِسلام، وملة الكفر، فالجواب عنه بأنه إذا صح في حديث أسامة فمردود في غيره، واستدل بقوله: "لا يرث المسلم الكافر" على جواز تخصيص عموم الكتاب بالآحاد؛ لأن قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} عام في الأولاد، فخص منه الولد الكافر، فلا يرث من المسلم بالحديث المذكور، وأجيب بأن المنع حصل بالإجماع، وخبر الواحد إذا حصل الإجماع على وفقه كان التخصيص بالإجماع لا بالخبر فقط، لكن يحتاج من احتج في الشق الثاني به إلى جواب، وقد قال بعض الحذاق: طريق العام هنا قطعي، ودلالته على كل فرد ظنية، وطريق الخاص هنا ظنية، ودلالته عليه قطعية فيتعادلان، ثم يترجح الخاص بأن العمل به يستلزم الجمع بين الدليلين المذكورين بخلاف عكسه، وحديث: "لا يرث المسلم الكافر", قال

<<  <  ج: ص:  >  >>