للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يستحبونه، ويحتمل أن يكون ابن عمر إنما انتظره لحمله على اغتساله عن ضرورة، نعم روى مالك في "الموطأ" أن ابن عمر كان يغتسل لوقوفه عشية عرفة، وقال الطحاوي: فيه حجة لمن أجاز المعصفر للمحرم، وتعقبه ابن المنير بأن الحجاج لم يكن يتقي المنكر الأعظم من سفك الدماء وغيره حتى يتقي المعصفر، وإنما لم ينهه ابن عمر لعلمه بأنه لا ينجع فيه النهي، ولعلمه بأن الناس لا يقتدون بالحجاج، وفيه نظر لأن الاحتجاج إنما هو بعدم إنكار ابن عمر، فبعدم إنكاره يتمسك الناس في اعتقاد الجواز، وقد تقدم الكلام على المعصفر والمصبوغ في آخر كتاب العلم آخر حديث منه، وقال المهلب: فيه جواز تأمير الأدون على الأفضل، وتعقبه ابن المنير بأن صاحب الأمر في ذلك عبد الملك، وليس بحجة، ولاسيما في تأمير الحجاج، وأما ابن عمر فإنما أطاع لذلك فرارًا من الفتنة، قال: وفيه أن إقامة الحج إلى الخلفاء وأن الأمير يعمل في الدين بقول أهل العلم، ويصير إلى رأيهم، وفيه مداخلة العلماء السلاطين، وأنهم لا نقيصة عليهم في ذلك، قلت: فعل ابن عمر ليست فيه مداخلة قطعًا، وقد مرَّ أنه إنما حمله عليه الفرار من الفتن، وفيه فتوى التلميذ بحضرة معلمه عند السلطان وغيره، وابتداء العالم بالفتوى قبل أن يسأل عنه، وتعقبه ابن المنير بأن ابن عمر إنما ابتدأ بذلك لمسألة عبد الملك له في ذلك، فالظاهر أنه كتب إليه بذلك كما كتب إلى الحجاج، قلت: المراد بابتداء العالم بالفتوى ما فعله سالم من قوله: إن كنت تريد السنة، إلخ، لا ما فعله أبوه، وفيه اللهم بالإشارة والنظر لقول سالم: فجعل الحجاج ينظر إلى عبد الله، فلما رأى ذلك، قال: صدق، وفيه طلب العلو في العلم لتشوق الحجاج إلى سماع ما أخبره به سالم من أبيه ابن عمر، ولم ينكر ابن عمر ذلك، قلت: هذا من فعل الحجاج، والحجاج لا يحتج بأفعاله، إذ يمكن أن يكون قصده التكبر والتعنت في الأخذ عن سالم.

وللمسألة مدارك غير هذا منها حديث ضمام المتقدم في كتاب العلم، وفيه تعليم الفاجر السنن لمنفعة الناس، وفيه احتمال المفسدة الخفيفة لتحصل المصلحة الكبيرة يؤخذ ذلك من مضى ابن عمر إلى الحجاج، وتعليمه له، وفيه الحرص على نشر العلم لانتفاع الناس به، وفيه صحة الصلاة خلف الفاسق، وأن التوجه إلى المسجد الذي بعرفة حين تزول الشمس للجمع بين الظهر والعصر في أول وقت الظهر سنة، ولا يضر التأخر بقدر ما يشتغل به المرء من متعلقات الصلاة كالغسل ونحوه، وفيه الخطبة في اليوم التاسع، وفي الحج عند المالكية والحنفية ثلاث خطب: الأولى في اليوم السابع بعد الظهر يعلم الناس فيها أفعال الحج، وعند المالكية فيها قولان: هل هي خطبة واحدة لا يجلس وسطها؟ والمشهور أنهما خطبتان، وأنهما

<<  <  ج: ص:  >  >>