للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يتعارفون بها، أو لأن إبراهيم عليه السلام عرف حقيقة رؤياه في ذبح ولده ثمة، أو لأن الخلق يعترفون فيها بذنوبهم، أو لأن فيها جبالًا والجبال هي الأعراف، وكل عال فهو عرف، وجمع بفتح الجيم وسكون الميم هي المزدلفة، وسمي به لأن آدم عليه الصلاة والسلام اجتمع فيها مع حواء عليها السلام، وازدلف إليها إلى أن دنا منها، أو لأنه يجمع فيها بين الصلاتين، وأهلها يزدلفون، أي: يتقربون إلى الله تعالى بالوقوف فيها، والوقوف بعرفة من أعظم أركان الحج، ثبت ذلك من فعل النبي -صلى الله عليه وسلم-.

وقوله: "أما فعله" فروى الإِمام أحمد عن يعقوب بن عاصم بن عروة، قال: سمعت الشريد يقول: أشهد لو وقفت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعرفات، قال: فما مست قدماه الأرض حتى أتى جمعًا، والشريد بفتح الشين هو ابن سويد الثقفي، وروى الطبري عن عبد الله بن ربيعة، عن أبيه، قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقف فيه في الجاهلية، وأما قوله: فروى الترمذي عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، قال: وقف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعرفة، فقال: "هذه عرفة، وهو الموقف، وعرفة كلها موقف"، الحديث، وروى ابن حبان في "صحيحه" عن جبير بن مطعم، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كل عرفات موقف، فارفعوا عن عرنة، وكل مزدلفة موقف فارفعوا عن محسر، وكل فجاج منى منحر، وفي كل أيام التشريق ذبح".

وفي هذه الأحاديث تعيين عرفة للوقوف وأنه لا يجزيء بغيرها، وهو قول أكثر أهل العلم، وروى ابن المنذر عن مالك أنه يصح الوقوف بعرفة، والحديث المذكور حجة عليه، وحدّ عرفة ما رواه الأزرقي في "تاريخ مكة" بإسناده إلى ابن عباس، قال: حد عرفة من قبل المشرق على بطن عرنة إلى جبال عرفة، إلى وصيق إلى ملتقى وصيق إلى وادي عرنة، وقال الشافعي في "الأوسط" من مناسكه: وعرفة ما جاوز بطن عرنة، وليس الوادي ولا المسجد منها إلى الجبال المقابلة مما يلي حوائط ابن عامر، وطريق الحضن، وما جاوز ذلك فليس بعرفة، والحضن بالفتح والضاد المعجمة المفتوحة أيضًا وابن عامر هو عبد الله بن عامر بن كرز، كان له حائط فيه عين، وهو الآن خراب.

وقال ابن بطال: اختلفوا إذا دفع من عرفة قبل غروب الشمس، ولم يقف بها ليلًا، فذهب مالك إلى أن الاعتماد في الوقوف بعرفة على الليل من ليلة النحر، والنهار من يوم عرفة تبع، فإن وقف جزءًا من الليل، أي: جزءًا كان قبل طلوع الفجر من يوم النحر أجزأه.

وقال أبو حنيفة والثوري والشافعي: الاعتماد على النهار من يوم عرفة من وقت الزوال والليل كلّه تبع؛ فإن وقف جزءًا من النهار أجزأه، وإن وقف جزءًا من الليل أجزأه، إلا أنهم

<<  <  ج: ص:  >  >>