للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: عن عقيل في رواية مسلم حدَّثني عقيل وقوله: تمتع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالعمرة إلى الحج قال المهلب: معناه أمر بذلك كما تقول رجم ولم يرجم لأنه كان ينكر على أنس قوله إن قرن ويقول: بل كان مفردًا، وأما قوله وبدأ فأهل بعمرة فمعناه أمرهم بالتمتع وهو أن يهلوا بالعمرة أولًا ويقدموها قبل الحج. قال: ولابد من هذا التأويل لدفع التناقض عن ابن عمر ولم يتعين هذا التأويل المتعسف، وقد قال ابن المنير إن حمل قوله تمتع على معنى أمر من أبعد التأويلات والاستشهاد عليه بقوله رجم، وإنما أمر بالرجم من أوهن الاستشهادات؛ لأن الرجم من وظيفة الإِمام، والذي يتولاه إنما يتولاه نيابة عنه.

وأما عمل الحج من إفراد وقران وتمتع فإنه وظيفة كل أحد عن نفسه ثم أجاز تأويلًا آخر وهو أن الراوي عهد أن الناس لا يفعلون إلا كفعله لاسيما مع قوله خذوا عني مناسككم، فلما تحقق أن الناس تمتعوا ظنَّ أنه عليه الصلاة والسلام تمتع فأطلق ذلك ولم يتعين هذا أيضًا، بل يحتمل أن يكون معنى قوله تمتع محمولًا على مدلوله اللغوي وهو الانتفاع بإسقاط عمل العمرة والخروج إلى ميقاتها وغيرها، بل قال النووي: إن هذا هو المتعين قال: وقوله: بالعمرة إلى الحج أي: بإدخال العمرة على الحج.

وقد مرَّ في باب التمتع والقران تقرير هذا التأويل وإنما أشكل هنا قوله بدأ فأهل بالعمرة، ثم أهل بالحج لأن الجمع بين الأحاديث الكثيرة في هذا الباب استقر على أنه بدأ أولًا بالحج، ثم أدخل عليه العمرة كما تقدم وهذا بالعكس، وأجيب عنه بأن المراد به صورة الإهلال أي: لما أدخل العمرة على الحج لبى بهما فقال: لبيك بعمرة وحجة معًا، وهذا مطابق لحديث أنس المتقدم، لكن قد أنكر ابن عمر ذلك على أنس فيحتمل أن يحمل إنكار ابن عمر عليه كونه أطلق أنه عليه الصلاة والسلام جمع بينهما، أي: في ابتداء الأمر ويعين هذا التأويل قوله في نفس الحديث وتمتع الناس إلخ. فإن الذين تمتعوا إنما بدأوا بالحج، لكن فسخوا حجهم إلى العمرة حتى حلوا بعد ذلك بمكة، ثم حجوا من عامهم وقوله فساق معه الهدي من ذي الحليفة أي: من الميقات وفيه الندب إلى سوق الهدي من المواقيت، ومن الأماكن البعيدة وهو من السنن التي أغفلها كثير من الناس.

وقوله فإنه لا يحل من شيء تقدم بيانه في حديث حفصة في باب التمتع والقران، وقوله ويقصر كذا لأبي ذر، وعند الأكثر فليقصر وكذا في رواية مسلم قال النووي: معناه أنه يفعل الطواف والسعي والتقصير ويصير حلالًا، وهذا دليل على أن الحلق أو التقصير نسك وهو الصحيح، وقيل استباحة محظور قال: وإنما أمره بالتقصير دون الحلق مع أن الحلق أفضل ليبقى له شعر يحلقه في الحج، وقوله وليحلل بكسر اللام التي قبل الأخيرة مجزوم هو أمر معناه الخبر، أي: قد صار حلالًا فله فعل كل ما كان محظورًا عليه في الإحرام ويحتمل أن يكون أمرًا على الإباحة لفعل ما كان عليه حرامًا بعد الإحرام.

<<  <  ج: ص:  >  >>