للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الناس مثلها، فقال عمرو بن العاص: أما والله لو كان هذا الغلام قرشيًا لساق العرب بعصاه، فقال أبو سفيان: والله إني لأعرف الذي وضعه في رحم أمه فقال له علي: من هو يا أبا سفيان؟ فقال أبو سفيان: أنا، فقال: مهلًا يا أبا سفيان، فقال أبو سفيان:

أما والله لولا خوف شخصي ... يراني عليّ من الأعادي

لأظهر أمره صخر بن حرب ... ولم يكن المقالة عن زياد

وقد طالت مجاملتي ثقيفًا ... وتركي فيهم ثمر الفؤاد

قال: فذلك الذي حمل معاوية على ما صنع بزياد، وروى أحمد بإسناد صحيح عن أبي عثمان النهدي لما ادعى زياد لقيت أبا بكرة فقلت: ما هذا؟ إني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من ادعى أبا في الإِسلام غير أبيه فالجنة عليه حرام" فقال أبو بكرة: وأنا سمعته، وأصله في الصحيح، وكان أَبو بكرة أخا زياد لأمه أمهما سمية فلما بلغه استلحاق معاوية له وإنه رضي ذلك آلى يمينًا أنه لا يكلمه أبدًا، وقال: هذا زنّى أمه وانتفى من أبيه، لا والله ما علمت سمية رأت أبا سفيان قط، ويله ما يصنع بأم حبيبة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم-، أيريد أن يراها؟ فإن حجبته فضحته، وإن رآها فيالها مصيبة يهتك من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حرمة عظيمة، وحج زياد في زمن معاوية، ودخل المدينة فأراد الدخول على أم حبيبة، ثم ذكر قول أبي بكرة فانصرف عن ذلك، وقيل: إن أم حبيبة حجبته ولم تأذن له في الدخول عليها، وقيل: إنه حج ولم يزر من أجل قول أبي بكرة، وقال: جزى الله أبا بكرة خيرًا، فما يدع النصيحة على حال كان يضرب به المثل في حسن السياسة ووفرة العقل وحسن الضبط، لما يتولاه، وهو أمير المصرين الكوفة والبصرة، ولم يجمعا قبله لغيره، وأقام في ذلك خمس سنين وزوج معاوية ابنته من ابنه محمدِ بن زياد، وهو الذي احتفر نهر الأبلة حتى بلغ موضع الجبل، وكان يقال: زياد يعد لصغار الأمور وكبارها، وكان جميلًا طويلًا يكسر إحدى عينيه، وفي ذلك يقول الفرزدق للحجاج:

وقبلك ما أعييت كاسر عينه ... زيادًا فلم تعلق على حبائله

قال ابن عبد البر: روينا أن زيادًا كتب إلى معاوية أني قد أخذت العراق بيميني وبقيت شمالي فارغة يعرض له بالحجاز، فبلغ ذلك ابن عمر فقال: اللهم اكفنا شمال زياد فعرضت له قرحة في شماله قتلته، ولما بلغ ابن عمر موت زياد قال: أذهب إليك ابن سمية، فقد أراح الله منك، وروي عن قتادة قال: قال زياد لبنيه لما احتضر ليت أباكم كان راعيًا في أدناها وأقصاها، ولم يقع في الذي وقع به، ولما ادعى معاوية زيادًا دخل عليه بنو أُمية وفيهم عبد الرحمن بن الحكم فقال: يا معاوية! لو لم تجد إلا الزنج لاستكثرت بهم علينا قلة وذلة، فأقبل معاوية على مروان وقال له: أخرج عنا هذا الخليع، فقال مروان: والله إنه لخليع ما يطاق، فقال معاوية: والله لولا حلمي وتجاوزي لعلمت أنه يطاق ألم يبلغني شعره فيَّ وفي

<<  <  ج: ص:  >  >>