للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما بقي له من الثلاثة، وقيل: أولها يوم يضحي فلو ضحى في آخر أيام النحر جاز له أن يمسك ثلاثًا بعدها، ويحتمل أن يؤخذ من قوله: "فوق ثلاث" أن لا يحسب اليوم الذي يقع فيه النحر من الثلاث، وتعتبر الليلة التي تليه وما بعدها، ويؤيده قول جابر في حديثه: "فوق ثلاث منى" فإن ثلاث منى تتناول يومًا بعد يوم النحر لأهل النفر الثاني، وقوله: قلت لعطاء: أقال: حتى جئنا المدينة، قال: لا. يعني: لم يقل جابر: حتى جئنا المدينة. وعند مسلم: نعم، بدل قوله: لا، ويجمع بين قوله: لا وقوله: نعم بأن يحمل على أنه نسي فقال: لا، ثم تذكر فقال: نعم، ويحتمل أن يكون ليس المراد بقوله: لا نفي الحكم، بل مراده أن جابرًا لم يصرح باستمرار ذلك منهم حتى قدموا المدينة، فيكون على هذا معنى قوله في رواية عمرو بن دينار عن عطاء: كنا نتزود لحوم الهدي إلى المدينة، أي لتوجهنا إلى المدينة، ولا يلزم من ذلك بقاؤها معهم حتى يصلوا المدينة.

لكن أخرج مسلم عن ثوبان قال: ذبح النبي -صلى الله عليه وسلم- أضحيته ثم قال لي: "يا ثوبان أصلح لحم هذه" فلم أزل أطعمه منه حتى قدم المدينة، قال ابن بطال: في الحديث رد على من زعم من الصوفية أنه لا يجوز ادِّخار طعام لغدٍ، وأن اسم الولاية لا يستحق لمن ادخر شيئًا ولو قلّ، وأن من ادخر أساء الظنّ بالله تعالى. وفيه هذه الأحاديث كفاية في الرد على من زعم ذلك.

وحديث جابر هذا يخالف ما رواه مسلم عن علي بن أبي طالب: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهانا أن نأكل من لحوم نُسكنا بعد ثلاث، وفي لفظ: قد نهاكم أن تأكلوا لحوم نسككم فوق ثلاث ليالٍ، فلا تأكلوا، وروي أيضًا عن ابن عمر عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يأكل أحدكم من أضحيته فوق ثلاثة أيام" قال الشافعي: لعل عليًّا لم يبلغه النسخ وقال غيره: يحتمل أن يكون الوقت الذي قال فيه ذلك، كان بالناس حاجة كما وقع في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، وبذلك جزم ابن حزم فقال: إنما خطب عليّ بالمدينة في الوقت الذي كان عثمان حوصر فيه، وكان أهل البوادي قد ألجأتهم الفتنة إلى المدينة، فأصابهم الجهد، فلذلك قال عليّ ما قال، وقد أخرج الطحاوي كون خطبة عليّ كانت في زمن حصر عثمان، وقال القاضي: اختلف العلماء في الأخذ بهذه الأحاديث فقال قوم: يحرم إمساك لحوم الأضاحي والأكل منها بعد ثلاث، وإن حكم التحريم باقٍ كما قاله عليّ وابن عمر رضي الله تعالى عنهم، وقال جماهير العلماء: يباح الأكل والإمساك بعد الثلاث، والنهي منسوخ بحديث جابر هذا، وحديث بريدة عند مسلم قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، ونهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث، فأمسكوا ما بدا لكم"، وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه، وهذا من نسخ السنة بالسنة، وقال بعضهم: ليس هو نسخًا، بل كان التحريم لعلة، فلما زالت زال التحريم، وتلك العلة هي الدافة، وكانوا منعوا من ذلك في أول الإِسلام من أجل الدافّة فلما

<<  <  ج: ص:  >  >>