للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لطائف إسناده: منها أن فيه التحديث والعنعنة، ورواته كلهم مصريون ما خلا قُتيبة فإنه بَلْخيّ كما مر، ورواته كلهم أئمة أجلاء وقد مر في الخامس من الإِيمان مواضع إخراجه.

باب كُفران العشير وكفر دون كفر فيه أبو سعيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -

قال ابن العربي: مراد المصنف أن يبين أن الطاعات كما تسمى إيمانًا، كذلك المعاصي تسمى كفرًا، لكن حيث يُطلق عليها الكُفر، لا يُراد به الكفر المخرج منِ الملة، والكُفْران -بالضم- من الكَفر -بالفتح- وهو السّتر، ومن ثَمَّ سمي ضد الإِيمان كُفرًا لأنه سترٌ على الحق وهو التوحيد، وأُطلق أيضًا على جَحْد النعم، لكن الأكثرون على تسمية ما يقابل الإِيمان كفرًا، وعلى جَحْد النعم: كفرانًا، والعشير هو الزوج، قيل له: عشير، بمعنى معاشر، مثل: أكيل، بمعنى مُؤاكل، فـ "ال" فيه للعهد، أو العشير بمعنى المعاشر، أي: المخالط مطلقًا، فتكون "ال" للجنس، وخُصَّ كفران العشير -على أنه الزوج- من بين أنواع الذنوب لدقيقة بديعة، وهي قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ أمَرت أحدًا أن يَسجُد لأحدٍ لأمرتُ المرأة أن تسجُد لزوجها" فقرن حق الزوج على الزوجة بحق الله تعالى، فإذا كفرت المرأة حق زوجها وقد بلغ من حقه عليها هذه الغاية، كان ذلك دليلًا على تهاونها بحق الله، فلذلك يطلق عليها الكفر، ولكنه كُفر لا يخرج من الملة.

وقد قال ابن بَطّال: كفر نعمة الزوج هو كفر نعمة الله، لأنها من الله أجراها على يده، وأما قول المصنف: وكفر دون كفر، فأشار إلى أثرٍ رواه أحمد في كتاب الإِيمان، من طريق عطاء بن أبي رباح، والمراد منه أن الكفر يتفاوت، فبعضه أقرب من بعض. فأخذ أموال الناس بالباطل دون قتل النفس بغير حق، وفي بعض الأصول: "وكفر بعد كفر" ومعناه كالأول، والجمهور على جر "وكفر" عطفًا على "كفران" المجرور، ولأبَوي ذر والوقت كفر بالرفع على القطع.

<<  <  ج: ص:  >  >>