للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشيطان، قال العلماء: في هذه القصة دليل على وفور فقهها؛ لأنها لم تقل: وعليه السلام، كما وقع لبعض الصحابة حيث كانوا يقولون في التشهد: السلام على الله، فنهاهم النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال: "إن الله هو السلام فقولوا: التحيات لله" فعرفت خديجة لصحة فهمها أن الله لا يرد عليه السلام، كما يرد على المخلوقين لأن السلام اسم من أسمائه تعالى، وهو أيضًا دعاء بالسلامة، وكلاهما لا يصلح أن يرد به على الله تعالى، فكأنها قالت: كيف أقول: عليه السلام والسلام اسمه ومنه يطلب ومنه يحصل؟ فيستفاد منه أنه لا يليق بالله تعالى إلاَّ الثناء عليه، فجعلت مكان السلام عليه الثناء عليه، ثم غايرت بين ما يليق بالله تعالى، وبين ما يليق بغيره، فقالت: وعلى جبريل السلام، وعليك السلام، ويستفاد منه رد السلام على من أرسل السلام، وعلى من بلغه، والذي يظهر أن جبريل كان حاضرًا عند جوابها، فردت عليه وعلى النبي -صلى الله عليه وسلم- مرتين مرة بالتخصيص، ومرة بالتعميم، قلت: وعلى أن جبريل حاضر تكون ردت عليه مرتين أيضًا، ثم أخرجت الشيطان ممن سمع لأنه لا يستحق الدعاء بذلك، قيل: إنما بلغها جبريل عليه السلام من ربها بواسطة النبي -صلى الله عليه وسلم- احترامًا للنبي -صلى الله عليه وسلم-، وكذلك وقع لما سلّم على عائشة لم يواجهها بالسلام، بل راسلها مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد واجه مريم بالخطاب فقيل: لأنها نبية، وقيل: لأنها لم يكن لها زوج يحترم معه مخاطبتها قال السهيلي: استدل بهذه القصة أبو بكر بن داود على أن خديجة أفضل من عائشة؛ لأن عائشة سلم عليها جبريل من قبل نفسه، وخديجة بلغها السلام من ربها، وعند الطبراني عن أبي يونس عن عائشة أنه وقع لها نظير ما وقع لخديجة من السلام، والجواب وهي رواية شاذة وزعم ابن العربي أنه لا خلاف في أن خديجة أفضل من عائشة، ورد بأن الخلاف ثابت قديمًا، وإن كان الراجح أفضلية خديجة بهذا وبغيره، ومن صريح ما جاء في تفضيل خديجة ما أخرجه أبو داود والنسائي وصححه الحاكم عن ابن عباس رفعه: أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، قال السبكي الكبير: جاء لعائشة من الفضائل ما لا يحصى، ولكن الذي نختاره وندين الله به أن فاطمة أفضل، ثم خديجة، ثم عائشة، واستدل لفضل فاطمة بما جاء في ترجمتها أنها سيدة نساء المؤمنين، قال في "الفتح": قال بعض من أدركناه: الذي يظهر أن الجمع بين الحديثين أولى، وأن لا نفضل إحداهما على الأخرى، وسئل السبكي: هل قال أحد أن أحدًا من نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- غير خديجة وعائشة أفضل من فاطمة؟ فقال: قال به من لا يعتد بقوله، وهو من فضل نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- على جميع الصحابة لأنهن في درجته في الجنة، قال: وهو قول ساقط مردود.

وقائله هو: أبو محمد بن حزم وفساده ظاهر، قال السبكي ونساء النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد خديجة وعائشة متساويات في الفضل وهن أفضل النساء لقول الله تعالى {لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ} الآية، ولا يستثنى من ذلك إلاَّ من قيل: إنها نبية كمريم.

<<  <  ج: ص:  >  >>