للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جوابًا عن سؤالهم عن الجواز لا عن الوجوب فوقعت الصيغة على مقتضى السؤال، ولم يذكر في هذه الرواية أنه عليه الصلاة والسلام أكل من لحمها، وذكره في روايتي أبي حازم كما مرَّ، ولم يذكر ذلك أحد من الرواة عن عبد الله ابن أبي قتادة غيره، ووافقه صالح بن كيسان، عند أحمد وأبي داود الطيالسي، وأبي عوانة، ولفظه: "فقال كلوا وأطعموني" وكذا لم يذكرها أحد من الرواة عن أبي قتادة نفسه إلاَّ المطلب عن سعيد بن منصور، وتفرد معمر عن يحيى بن أبي كثير بزيادة مضادة لروايتي أبي حازم كما أخرجه إسحاق وابن خزيمة والدارقطني من طريقه، وقال في آخره فذكرت شأنه لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقلت: "إنما اصطدته لك، فأمر أصحابه فأكلوه ولم يأكل منه حين أخبرته أني اصطدته له" قال ابن خزيمة، والنيسابوري، والدارقطني: تفرد بهذه الزيادة معمر، قال ابن خزيمة: إن كانت هذه الزيادة محفوظة أحتمل أن يكون عليه الصلاة والسلام أكل من لحم ذلك الحمار قبل أن يعلمه أبو قتادة أنه اصطاده من أجله، فلما أعلمه امتنع، وفيه نظر لأنه لو كان حرامًا ما أقر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم على الأكل منه إلى أن أعلمه أبو قتادة بأنه صاده لأجله، ويحتمل أن يكون ذلك لبيان الجواز فإن الذي يحرم على المحرم إنما هو الذي يعلم أنه صيد من أجله، وأما إذا أتي بلحم لا يدري الحم صيد أو لا فحمله على أصل الإباحة فأكل منه لم يكن ذلك حرامًا على الأكل، وفيه وقفة فإن الروايات المتقدمة ظاهرة في أن الذي تأخر هو العضد، وأنه -صلى الله عليه وسلم- أكلها حتى تعرقها أي لم يبق منها إلاَّ العظم، وعند البخاري في الهبة: حتى نفدها أي فرغها، فأي شيء يبقى منها حينئذ حتى يأمر أصحابه بأكله، لكن رواية أبي محمد الآتية في الصيد "أبقي معكم شيء منه قلت: نعم قال: كلوا فهو طعمة أطعمكموها الله" فأشعر بأنه بقي منها غير العضد وفي هذا الحديث من الفوائد جواز أكل المحرم لحم الصيد إذا لم تكن منه دلالة، ولا إشارة، وفي أكله له اختلاف، فمذهب مالك والشافعي أنه ممنوع إن صاده أو صيد لأجله سواء كان بإذنه أو بغير إذنه، لحديث جابر مرفوعًا: "لحم الصيد لكم في الإحرام حلال، ما لم تصيدوه أو يصاد لكم" رواه أبو داود والترمذي والنسائي، وعبارة الشيخ خليل في "مختصره": وما صاده محرم أو صيد له ميتة، قال شراحة: أي: فلا يأكله حلال ولا حرام وجاء عن مالك تفصيل آخر بين ما صيد للمحرم قبل إحرامه يجوز له الأكل منه، أو بعد إحرامه فلا، وقال عليَّ وابن عباس وابن عمر والليث والثوري وإسحاق بتحريم أكل المحرم من لحم الصيد مطلقًا، واستدلوا بحديث الصعب بن جثامة حيث قال في: "إنا لم نرده عليك إلاَّ أنا حرم"، وزاد النسائي: "لا نأكل الصيد"، وفي رواية ابن عباس: "لولا أنَّا محرمون لقبلناه منك"، قالوا: لأنه اقتصر في التعليل على كونه محرمًا، فدلَّ على أنه سبب الإمتناع خاصة، وبما أخرجه أبو داود وغيره عن عليّ أنَّه قال لناس من أشجح: أتعلمون أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أهدى له رجل حمار وحش، وهو محرم، فأبى أن يأكله؟ قالوا: نعم، لكن يعارض هذا الظاهر ما أخرجه مسلم عن طلحة أنه أهدي له لحم طير، وهو محرم فوقف عن أكله، وقال: أكلناه مع رسول

<<  <  ج: ص:  >  >>