للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إسحاق في "مسنده" عن محمد بن عمرو بن علقمة، عن الزهري فقال: لحم حمار، وقد خالفه خالد الواسطي، عن محمد بن عمرو فقال: حمار وحش كالأكثر، وأخرجه الطبري عن أبي إسحاق عن الزهري فقال: رجل حمار وحش، وابن إسحاق لا يحتج به إذا خولف، ويدل على وهم ما قال في ذلك عن الزهري أن ابن جريج قال: قلت للزهري: الحمار عقير؟ قال: لا أدري، أخرجه ابن خزيمة وأبو عوانة في "صحيحهما"، وأخرج مسلم عن الحكم، عن سعيد ابن جبير، عن ابن عباس قال: أهدى الصعب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلَ حمارٍ، وفي رواية عنده: عجزَ حمار وحش يقطر دمًا، وأخرجه أيضًا عن سعيد فقال تارة: حمار وحش، وتارة: شق حمار، ويقوي ذلك ما أخرجه مسلم عن طاوس، عن ابن عباس قال: قدم زيد بن أرقم فقال: له ابن عباس يستذكره: كيف أخبرتني عن لحم صيد أهدي لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو حرام؟ قال: أهدي له عضو من لحم فردَّه، وقال: "إنا لا نأكله إنا حرم" قال النووي: وهذه الطرق التي ذكرها مسلم صريحة في أنه مذبوح، وأنه إنما أهدي بعض لحم صيد لأكله، ولا معارضة بين رجل حمار وعجزه وشقه إذ تندفع بإرادة رجل معها فخذ وبعض جانب الذبيحة، فوجب حمل رواية: أهدي حمارًا على أنه من إطلاق اسم الكل على البعض، ويمتنع العكس، إذ إطلاق الرجل على كل الحيوان غير معهود؛ لأنه لا يطلق على زيد إصبع ونحوها؛ لأنه غير جائز لما عرف من أن شرط إطلاق اسم البعض على الكل التلازم كالرقبة والرأس على الإنسان، إذ لا إنسان دونهما بخلاف نحو الرجل والظفر، وأما إطلاق العين على الرقيب فليس من حيث هو إنسان، بل من حيث هو رقيب، وهو من هذه الحيثية لا يتحقق بلا عين، على ما عرف في التحقيقات، وهو أحد معاني المشترك اللفظي كما عده الأكثر منها، ثم إن في هذا العمل ترجيحًا للأكثر، أو يحكم بغلط رواية الباب بناء على أن الراوي رجع عنها تبيينا لغلطه، وقد مرَّ أن ابن عيينة صار يقول: لحم حمار وحش، قال الحميدي: إلى أن مات، وهذا يدل على رجوعه وثباته على ما رجع إليه، والظاهر أنه لتبيينه غلطه أولًا، وقال البيهقي: كان ابن عيينة يضطرب فيه فرواية العدد الذين لم يشكوا فيه أولى.

وقوله: "وهو بالأبواء" بفتح الهمزة وسكون الموحدة وبالمد: جبل من عمل الفُرْع بضم الفاء وسكون الراء بينه وبين الجحفة مما يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلًا، ويسمى بذلك لما فيه من الوباء، ولو كان كما قيل:، لقيل: الأوباء، وهو مقلوب عنه والأقرب أنه يسمى بذلك لأن السيول تتبوؤه أي: تحله.

وقوله: "أو بودان": شك من الراوي، وهو بفتح الواو وتشديد الدال، وآخره نون موضع بقرب الجحفة أو قرية جامعة من ناحية الفرع وودان أقرب إلى الجحفة من الأبواء فإن من الأبواء إلى الجحفة، للآتي من المدينة ثلاثة وعشرون ميلًا، ومن ودان إلى الجحفة ثمانية أميال، والشك من الراوي، لكن جزم ابن إسحاق وصالح بن كيسان عن الزهري بودان، وجزم

<<  <  ج: ص:  >  >>