للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحديث، وذكر عليّ ابن المديني أنه اختلف فيه على هشام اختلافًا آخر، فقال وهيب وجماعة كما قال مالك، وقال ابن عيينة: عن هشام بسنده عن سفيان بن الغوث وقال أبو معاوية عن هشام بسنده، عن سفيان بن عبد الله الثقفي، لكن رواه الحميدي عن سفيان على الصواب، ورواه أبو خيثمة عن جرير فقال: سفيان بن أبي قلابة.

وقوله: "تفتح اليمن" قال ابن عبد البر وغيره: افتتحت اليمن في أيام النبي صلى الله عليه وسلم، وفي أيام أبي بكر، وافتتحت الشام بعدها والعراق بعدها، وفي الحديث علم من أعلام النبوءة فقد وقع على وفق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم وعلى ترتيبه، ووقع تفرق الناس في البلاد لما فيها من السعة والرخاء، ولو صبروا على الإقامة بالمدينة لكان خيرًا لهم، وفي هذا الحديث فضل المدينة على البلاد المذكورة، وهو أمر مجمع عليه فلم يختلف العلماء في أن للمدينة فضلًا على غيرها، وإنما اختلفوا في الأفضلية بينها وبين مكة، وفيه دليل على أن بعض البقاع أفضل من بعض.

وقوله: "يبسون" بفتح أوله وكسر الموحدة، وضمها من بس، يبس قال ابن عبد البر: في رواية يحيى بن يحيى بكسر الموحدة، وقيل: إن ابن القاسم رواه بضمها، قال أبو عبيد: معناه يسوقون دوابهم، والبس سوق الإبل تقول: بس بس عند السوق وإرادة السرعة، وقال الداودي معناه يزجون دوابهم، فيبسون ما يطؤونه من الأرض بشدة السير، فيصير غبارًا قال الله تعالى: {وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا} أي: سالت سيلًا وقيل: معناه سارت سيرًا، وقال ابن القاسم: البس المبالغة في الفت ومنه قيل للدقيق المصنوع بالدهن: بسيس، وأنكر ذلك النووي وقال: إنه ضعيف، أو باطل، قال ابن عبد البر: وقيل معنى يبسون: يسألون عن البلاد، ويستقرؤون أخبارها ليسيروا إليها، قال: وهذا لا يكاد يعرفه أهل اللغة، وقيل: معناه يزينون لأهلهم البلاد التي تفتح، ويدعونهم إلى سكناها فيتحملون بسبب ذلك من المدينة راحلين إليها، ويشهد لهذا ما رواه مسلم عن أبي هريرة يأتي على الناس زمان يدعو الرجل ابن عمه، وقريبه هلم إلى الرخاء، والمدينة خير لو كانوا يعلمون، وعلى هذا فالذين يتحملون غير الذين يبسون، كان الذي حضر الفتح أعجبه حسن البلاد ورخاؤها فدعا قريبه إلى المجيء إليها، لذلك فيتحمل المدعو بأهله وأتباعه، قال ابن عبد البر: وروي يبسون بضم أوله من الرباعي أبس إبساسًا ومعناه يزينون لأهلهم البلد التي يقصدونها، وأصل الإبساس للتي تحلب حتى قدر باللبن، وهو أن يجري يده على وجهها، وصفحة عنقها كأنه يزين لها ذلك، ويحسنه لها، وإلى هذا ذهب ابن وهب، وكذا رواه ابن حبيب، عن مطرف، عن مالك يبسون من الرباعي وفسره بنحو ما ذكرناه، وأنكر الأول غاية الإنكار، وقال النووي: الصواب أن معناه الإخبار عمن خرج من المدينة متحملًا بأهله بأسًا في سيره، مسرعًا إلى الرخاء، والأمصار المفتتحة، ويؤيده رواية ابن خزيمة عن أبي معاوية عن هشام، عن عروة في هذا الحديث بلفظ: نفتح

<<  <  ج: ص:  >  >>