للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[زهده وحسن سيرته]

ومن زهده وحسن شمائله وفضائله ما حكاه ورّاقه أنه ورث من أبيه مالًا جليلًا، وكان أبوه يقول: لا أعلم من مالي درهمًا من حرام، ولا درهمًا من شبهة، فكان البخاري يعطيه مقارضة، فقطع غريم له خمسة وعشرين ألفًا، فقيلَ له: استعن بكتاب الوالي، فقال: إن أخذت منهم كتابًا طمِعوا، ولن أبيع ديني بدنياي، ثم صالح غريمه على أن يعطيه كل شهر عشرة دراهم، وذهب ذلك المال كله.

وقال غُنجار في "تاريخه": كان حُمِلَ إلى محمَّد بن إسماعيل بضاعة أنفذها إليه أبو حَفْص، فاجتمع بعض التجار إليه بالعشية، وطلبوها منه بربح خمسة آلاف درهم، فقال لهم: انصرفوا الليلة، فجاءه من الغد تجار آخرون، فطلبوا منه البضاعة بربح عشرة آلاف درهم، فردهم، وقال: إنى نويت البارحة أن أدفعها إلى الأولين، فدفعها لهم، وقال: لا أُحب أن أْنقُضَ نيتي.

وقال ورَّاقُهُ: سمعته يقول: خرجت إلى آدم بن أبي إياس، فتأخرت نفقتي حتى صرت آكل حشيش الأرض، فلما كان في اليوم الثالث أتاني رجل لا أعرفه، فأعطاني صرة فيها دنانير، قال: وسمعته يقول: كنت أستغل في كل شهر خمس مئة درهم، فأنفقها في طلب العلم، وما عند الله خير وأبقى.

وقال عبد الله بن محمَّد الصيّار: كنت عند محمَّد بن إسماعيل في منزله، فجاءته جاريته، وأرادت دخول المنزل، فعثرت على محبرة بين يديه، فقال لها: كيف تمشين؟ فقالت له: إذا لم تكن طريق كيف أمشي؟ فبسط يديه، وقال: اذهبي، فقد أعتقتك، قيل له: يا أبا عبد الله أغضبتك؟ قال: فقد أرضيت نفسي بما فعلت.

وقال ورّاقُهُ: سمعته يقول: لا يكون لي خصم يوم القيامة، فقلت: إن بعض الناس ينقِمون عليك "التاريخ" يقولون: فيه اغتياب الناس،

<<  <  ج: ص:  >  >>