للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإنه لا يصلح التثريب عليهم بوجود إسرائيليات في تفاسيرهم، بعد التجويز النبوي للتحديث بأخبار بني إسرائيل، وهل سنكون أشفق من الرسول صلّى الله عليه وسلّم بأمته، فنمنع ذلك؟!

وسأذكر مثالاً من التفاسير التي نقلها السلف من بني إسرائيل، وأناقش إحالة العقل أو إمكانيته لمثل هذا الخبر.

في تفسير قوله تعالى: {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [ق: ١] ورد عن بعض السلف في تفسير {ق} أنه جبل محيط بجميع الأرض يقال له: جبل قاف.

وهذا الخبر غريب جدّاً، وقد استنكره بعض الأئمة؛ كابن كثير الدمشقي (١)، ولم يسنده الطبري كعادته، بل ذكره من دون ذكر قائله (٢)، ومحله عندما تعرضه على عقلك كما ترى.


(١) قال ابن كثير: «وكأن هذا ـ والله أعلم ـ من خرافات بني إسرائيل التي أخذها عنهم بعض الناس؛ لما رأى من جواز الرواية عنهم مما لا يصدق ولا يكذب، وعندي أن هذا وأمثاله وأشباهه من اختلاق بعض زنادقتهم، يلبسون به على الناس أمر دينهم، كما افترى في هذه الأمة مع جلالة قدر علمائها وحفاظها وأئمتها أحاديث عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، وما بالعهد من قدم، فكيف بأمة بني إسرائيل مع طول المدى وقلة الحفاظ النقاد فيهم وشربهم الخمور وتحريف علمائهم الكلم عن مواضعه وتبديل كتب الله وآياته، وإنما أباح الشارع الرواية عنهم في قوله: «وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج» فيما قد يجوزه العقل، فأما فيما تحيله العقول، ويحكم فيه بالبطلان، ويغلب على الظنون كذبه، فليس من هذا القبيل والله أعلم»، تفسير القرآن العظيم، تحقيق الدكتور محمد إبراهيم البنا (٧: ٣٢٨٥).
ولا ريب أن هذا الحرف المقطَّع من جنس الحروف الأخرى، والصحيح في تفسيرها أنها حروف لا معنى لها، ولها مغزى، وهو الإشارة إلى التحدي والإعجاز، وهذا الترجيح لا ينفي الخبر المذكور؛ لأنه يثبت وجود جبل، ثم يجعل هذا الجبل تفسيراً لقوله تعالى: {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ}، فالأمران منفصلان، فالقول بثبوت الجبل ـ لو ثبت ـ لا يلزم منه أن يكون تفسيراً لقوله تعالى: {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ}.
(٢) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، للطبري، تحقيق الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، ط: دار هجر (٢١: ٤٠١).

<<  <   >  >>