للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لكن هذا لا يلزم منه أن تكون آيات الأنبياء عليهم السلام قد حُكيت لنا، فنحن لا نعرف آيات يونس عليه السلام، ولا سليمان عليه السلام، ولا يحيى عليه السلام، ولا إدريس عليه السلام، وعدم معرفتنا بها لا يعني عدم وجودها، بل نؤمن بوجودها بدلالة الحديث النبوي.

والأنبياء عليهم السلام تكون لهم أكثر من آية، وتتمايز هذه الآيات في عظمتها، لذا لا يلزم أن تكون كل آية من آياتهم مما برع به أقوامهم، وإنما يقال: مما يدركه أقوامهم، فعيسى عليه الصلاة والسلام كان يحيي الموتى بإذن الله، ويبرئ الأكمه بإذن الله (١)، وكذلك كان يخبر قومه بما يدَّخرونه في بيوتهم، فهل برع القوم في كل هذه الأمور؟!

وكذا نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم؛ كانت أعظم آياته القرآن الكريم، وكان من آياته انشقاق القمر، والإسراء إلى بيت المقدس، وغيرها كثيرٌ، فهل برع العرب بكل موضوع هذه الآيات؟!


(١) يذكر بعض العلماء أن قوم عيسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ قد برعوا في الطبِّ، ولم أجد لهذه المعلومة أصلاً صحيحاً، فقومه هم اليهود، ولم يشتهر اليهود بالطبِّ، ولعل قولهم هذا كان نتيجة لمقدمة عقلية (أي: أن كل نبي يأتي بمعجزة من جنس ما برع به قومه)، وكانت معجزة عيسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ تتعلق بإبراء المرض وإحياء الموتى، فظنوا في قوم عيسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ معرفة الطبِّ والعناية به، وإلا فما الذي برع فيه قوم عيسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ لما قال لهم إنه يُخبرهم بما يدَّخرون في بيوتهم؟!
وأول من رأيته أشار إلى هذا الجاحظ (ت:٢٥٥هـ)، قال: «وكذلك زمن عيسى عليه السلام كان الأغلب على أهله، وعلى خاصة علمائه الطب، وكانت عوامهم تعظِّم على ذلك خواصهم، فأرسله الله عزّ وجل بإحياء الموتى، إذ كانت غايتهم علاج المرضى، وإبراء الأكمه إذ كانت غايتهم علاج الرمد، مع ما أعطاه الله عزّ وجل من سائر العلامات، وضروب الآيات؛ لأن الخاصة إذا بُخعت بالطاعة، وقهرتها الحجة، وعرفت موضع العجز والقوة، وفصل ما بين الآية والحيلة، كان أنجع للعامة، وأجدر أن لا يبقى في أنفسهم بقية».

<<  <   >  >>