للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْمَضَاجِعِ} [النساء: ٣٤]ـ: «سمعْنا العربَ تقولُ: أَهْجَرَ النَّاقَةَ بالهِجَارِ، وهو حَبْلٌ يُجْعَلُ في أنفِها تُعْطَفُ به على ولدِ غيرِها ـ وقال أبو محمد (١): الهجر: حبلٌ يوضع في الرُّسْغِ إلى السَّاقِ ـ، فإنْ كانَ قوله: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} [النساء: ٣٤]؛ أي: اعطفُوهنَّ إليكم، فهو ضدٌّ للهجرِ (٢)، إلاَّ أنَّ ابنَ عباسٍ كانَ يقولُ: الهَجْرُ: السَّبُّ (٣)، اهجروهن: سُبُّوهُنَّ» (٤).

إنَّ هذا المعنى الذي حَمَلَ قطرب (ت:٢٠٦) معنى الآيةِ عليه معنىً غيرُ مُسْتَعْمَلٍ في النَّاسِ ولا مشهور في اللُّغةِ؛ لأنه إنما يُطلقُ على النُّوقِ، أمَّا إطلاقُه على النِّساءِ في مثلِ هذه الحالِ فلم يردْ عنِ العربِ.

وقد اعترضَ على هذا الاحتمال التفسيريِّ أبو بكر محمد بن القاسم بنُ الأنباريِّ (ت:٣٢٨) (٥)، فقال: «وهذا القولُ عندي بعيدٌ؛ لأنَّ المعنى الثاني لم يُستعملْ في النَّاسِ.


(١) لم يتبين لي من هو أبو محمد، وقد استظهرت أنَّ ما بين الشرطتين من كلامه تعقيباً منه على قول قطرب في الهجار، وذلك أني لم أجد هذا النصَّ عند ابن الأنباري في كتابه الأضداد، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم (ص:٣٢٣) لما نقل كلام قطرب، وينظر قول محقق كتاب قطرب عن أبي محمد المذكور (ص:٦١ - ٦٢).
(٢) يعني: الهجر الذي بمعنى: الترك والابتعاد.
(٣) هذا التفسير المنسوب لابن عباس يدلُّ على أنَّ {وَاهْجُرُوهُنَّ} من الهُجر ـ بالضَّمِّ ـ وهو القبيح من الكلام، ولم أجد من نصَّ على هذا التفسير بعينه عن ابن عباس.
والوارد عنه في معنى هذه اللفظة: يهجرها بلسانه، ويغلظ لها بالقول، وفي سنده ضعف؛ لإبهام في أحد رجال السند، وحيث ورد فيه: «سفيان، عن رجل»، فالرجل الذي يروي عنه سفيان مجهول.
ولابن عباس في معنى اللفظ قول آخر، قال: «يعِظُها، فإن هي قَبِلَتْ، وإلاَّ هَجَرَها في المضجعِ، ولا يُكلِّمُها، من غيرِ أن يذرَ نكاحَها، وذلك عليها شديدٌ». ينظر: تفسير الطبري، تحقيق شاكر (٨:٣٠٣ - ٣٠٥).
(٤) الأضداد لقطرب، تحقيق: د. حنَّا حداد (ص:١٤١)، ووازنه بما عند ابن الأنباري في كتابه: الأضداد (ص:٣٢٣).
(٥) محمد بن القاسم بن بشار، المعروف بأبي بكر بن الأنباري، اللغوي، النحوي، =

<<  <   >  >>