للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القلبِ الذي ذكرتُ، لإجماعِ أهلِ التَّأويلِ على أنَّ معنى قولِه: {فَصُرْهُنَّ} غير خارجٍ منْ أحدِ معنيين: إمَّا قطعهنَّ، وإمَّا ضمهنَّ إليك، بالكسرِ قُرِئَ ذلك أو بالضَّمِّ.

ففي إجماعِ جميعِهِم على ذلك ـ على غيرِ مراعاةٍ منهم كَسْرَ الصَّادِ وضمَّهَا ـ أوضحُ الدليلِ على صِحَّةِ قولِ القائلينَ منْ نحويِّي البصرةِ في ذلكَ ما حكينا عنهم من القولِ، وخطإِ قولِ نحويي الكوفيين، لأنهم لو كانوا إنما تأولوا قولَه: {فَصُرْهُنَّ} بمعنى: فقطِّعهن، على أنَّ أصلَ الكلامِ فأصرهن، ثم قُلِبَتْ، فقيل: فصِرهن بكسرِ الصَّادِ، لتحوَّلَ ياءُ فاصِرهن مكانَ رائِه، وانتقالُ رائِه مكان يائِه، لكانَ لا شكَّ ـ مع معرفتهم بلغتهم، وعلمهم بمنطقهم ـ وقدْ فصلوا بينَ معنى ذلك إذا قُرِئَ بكسرِ صادِهِ، وبيْنَهُ إذا قُرئَ بضَمِّها، إذ كانَ غيرُ جائزٍ لمنْ قَلَبَ فأصرهنَّ إلى فصرهنَّ أنْ يقرأهُ: (فصُرهن) فضم الصادِ، وهم ـ معَ اختلافِ قراءتهم ذلك ـ قدْ تأولوه تأوُّلاً واحداً على أحدِ الوجهين اللَّذَيْنِ ذكرنا، ففي ذلك أوضحُ الدَّليلِ على خطَأ قولِ منْ قالَ: إنَّ ذلكَ إذا قُرئَ بكسرِ الصادِ بتأويلِ التَّقْطِيعِ مقلوبٌ منْ صَرَى يَصْرِي إلى صَارَ يَصِيرُ، وجهلِ منْ زعمَ أنَّ قولَ القائلِ: صَارَ يَصُور، وصَارَ يَصِيرُ غيرُ معروفٍ في كلامِ العربِ بمعنى: قَطَعَ» (١).

ثُمَّ ذكرَ أقوالَ السلفِ، ثُمَّ قالَ: «ففيما ذكرْنَا مِنْ أقوالِ مَنْ روينا قولَه في تأويلِ قولِه: {فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ} أنه بمعنى: فقطعهن إليك، دلالةٌ واضحةٌ على صحةِ ما قلنا في ذلكَ، وفسادِ قولِ مَنْ خَالَفَنَا فيه» (٢).

والمقصودُ أنَّ اعتمادَ الفراءِ (ت:٢٠٧) على العربيَّةِ وتقديمِها ـ أحياناً ـ على ما جاءَ في التَّفسيرِ أوقَعه في هذه الأخطاءِ التي احتسبَها عليه العلماءُ الذين جاؤوا بعدَه، وسأذكر ثَمَّتَ صوراً منَ التَّفسيرِ اللُّغويِّ في كتابِه (معاني القرآن).


(١) تفسير الطبري، ط: الحلبي (٣:٥٤ - ٥٥).
(٢) تفسير الطبري، ط: الحلبي (٣:٥٦).

<<  <   >  >>