للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مفهومُ المجازِ عند أبي عبيدة:

والمجازُ عندَ أبي عبيدةَ (ت:٢١٠): ما يجوزُ في لغةِ العربِ من التَّعبيرِ عن الألفاظِ والأساليبِ، وليسَ المجازَ الاصطلاحيَّ عندَ البلاغيِّينَ (١)، وهذا ظاهرٌ منْ كتابِهِ.

مراده من تأليفِ المجازِ:

لقدْ كانتْ وِجْهَةُ أبي عبيدةَ (ت:٢١٠) في كتابِهِ (مجازِ القرآنِ) واضحةً، حيثُ أرادَ تفسيرَ القرآنِ تفسيراً عربيًّا، لذا اعتمدَ الشواهدَ الشِّعريةَ في بيانِ معاني القرآنِ في كثيرٍ من المواطنِ. وقدْ يكونُ سببُ هذا الاتجاه عندَهُ ما يُحكَى من وجودِ المُعَرَّبِ (٢)، فأراد أن يُبينَ أنَّ القرآنَ عربيٌّ، وليسَ فيه مدخلٌ لِلُغَةٍ غيرِها.

ومما يُستأنسُ به في هذا ما عُرِفَ عنه من تشدُّده في نفيِ وجودِ ألفاظٍ بغيرِ لغةِ العربِ في القرآنِ، حيث قالَ: «أُنْزِلَ القرآنُ بلسانٍ عربيٍّ مبينٍ، فمنْ زعمَ أنَّ فيه غيرَ العربيةِ فقدْ أعظمَ القولَ، ومن زعمَ أنَّ «طه» بالنبطيةِ، فقدْ أَكْبَرَ، وإنْ لم يعلمْ ما هو، فهو افتتاحُ كلامٍ، وهو اسمٌ للسُّورةِ وشعارٌ لها.

وقدْ يُوَافِقُ اللَّفظُ اللَّفظَ ويقاربُهُ، ومعناهما واحدٌ، وأحدُهما بالعربيَّةِ والآخرُ بالفارسيَّةِ أو غيرِها؛ فمنْ ذلكَ الإستبرقُ بالعربيَّةِ، وهو الغليظُ من الديباجِ، والفِرِنْدُ، وهو بالفارسيَّةِ: إسْتَبْرَهْ، وكَوْز، وهو بالعربيَّةِ: جَوْزٌ، وأشباهُ هذا كثيرٌ.

ومنْ زعمَ أنَّ {حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ} [هود: ٨٢] بالفارسيَّةِ، فقدْ أعظمَ من قال: إنه «سنك» و «كل»، إنما السِّجِّيلُ: الشديدُ ... ففي القرآنِ ما في الكلامِ


(١) المجاز: اللفظ المستعملُ في غير ما وُضِعَ له حقيقةً، ينظر في تعريفه: معجم المصطلحات البلاغية وتطورها، للدكتور: أحمد مطلوب (٣:١٩٣ - ٢٢٠).
(٢) المُعَرَّبُ: ما قيل إنه بغير لغة العرب من ألفاظ القرآن.

<<  <   >  >>